الأديار، ينادمونهم ويشربون على وجوههم، فيطربون ويلذون. . .
وكان الخلفاء أنفسهم يستقدمون من اشتهر من بينهم وعرف منهم لذلك لما أراد الواثق بالله الخليفة العباسي أن يعقد حانتين له ولأصحابه، إحداهما على شاطئ دجلة والأخرى في دار الحرم (أمر أن يختار له خمار نظيف، جميل المنظر، حاذق بأمر الشراب، ولا يكون إلا نصرانياً من أهل قطربل، فأتي له بنصرانيله ابنان مليحان، وبنتان بهذه الصفة، فجعلهم الواثق في الحانتين، وضم إليهما خدماً وغلماناً وجواري رومية. وأخدم النساء في حانة الحرم، والرجال في حانة الشط).
أما بيوت الشراب التي كانت تخزن فيها الخمور فلم أجد من وصفها لنا غير أحمد بن جعفر بن شاذان في كتابة (أدب الوزير) قال:
(وينبغي لبيت الشراب أن يكون له بابان واسعان وكوتان، فأما الباب الواسع ففي يسار القبلة من قبل ريح الجنوب، وأما الباب الضيق فمن قبل الشرق عن يمين القبلة من قبل ريح الشمال).
(وينزه بيت الشراب عن كل ريح كريه وكل قذر، وليكن بين كل وعاءين من أوعية الشراب ذراع ولتكن مواضع الأوعية جافة، فإن كانت ندية فلتفرش بالآجر أو الحجارة، وتقدير المعصرة أن يكون طولها ضعف عرضها).
وقد كان الرهبان أنفسهم يعصرون الخمرة، ويحفظونها في مخازنها التي كانت في الغالب تحت الأرض، وقد وصف الشعراء الهينمة حول الدنان وتلاوة المزامير والإنجيل، ومن ذلك قول أبي نواس:
وخمر كعين الديك أبحت سحرة ... وقد همّ نجم الليل بالخفقان
ندبت لها الخمار فانصاع مسرعاً ... إلى عدد من أكؤس ودنان
دراسته الإنجيل حول دنانه ... بصير ببزل الدن والكيلان
وفي مثل هذا المعنى قال عبد الصمد بن بابك:
هينم القس حولها وتغنى ... بمزامير دنها المزمار
ثم لما انتمت إلى دين عيسى ... شد في حقو دنها زنار
ومن طريف ما جاء في وصف الجودة بالقدم قول شهاب الدين التلعفري، فقد جعلها تروي