للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حديث آدم وإبليس، وما كان بين سليمان وبلقيس، وأن الرهبان يتلون الأناجيل لها إذا حضرت، ويسبحون ويقدسون بأعظم ما يكون التسبيح والتقديس، قال:

عج حيث تسمع أصوات النواقيس ... من جانب الدير تحت الليل بالعيس

مستخبراً عن كميت اللون صافية ... قد عتقتها أناس في النواويس

مرّ الزمان عليها فهي تخبر عن ... ما كان من آدم قدماً وإبليس

ترى الرهابين صرعى من مهابتها ... إذا بدت بين شماس وقسيس

تتلى الأناجيل تعظيماً إذا حضرت ... لها بأشرف تسبيح وتقديس

لها أحاديث ترويها إذا مزجت ... في كأسها عن سليمان وبلقيس

يسعى بها من نصارى الدير بدر دجى ... يميس في فتية مثل الطواويس

وامتاز سقاة الخمر من النصارى بحسن صفتهم، ونظافة آلتهم، وطهارة دنانهم ومبازلهم، لأنهم انفردوا - في الغالب - بعصرها وتعتيقها، لذلك أقبل عليهم المجان والخلفاء، حتى صارت الأديرة مطارح أهل اللهو، ومواطن ذوي الخلاعة، كما أصبحت ملتقى العشاق ومأوى الفساق، لأن مجالس الشرب واللهو كانت تعقد في الرياض والبساتين في جوار الأديرة وخلف البيع والمعابد، لأن الحانات كانت ملاصقة لها.

حدثنا العمري في مسالكه قال: (كان بالكوفة رجل أديب ضعيف الحال، مهما وقع في يده شئ من المال أتى به دير حنة فيشرب حتى يسكر ثم ينصرف، وهو القائل:

ما لذة العيش عندي غير واحدة ... هي البكور إلى بعض المواخير

لخامل الذكر مأمول بوائقه،=سهل القياد، من العزه المدابير

حتى أحل على دير ابن كافرة ... من النصارى ببيع الخمر مشهور

كأنما عُقد الزنار فوق نقا، ... واعتم فوق دجى الظلماء بالنور

وربما أثرت هذه المجالس المرحة والحياة الناعمة برهبان الدير ومن فيه، فتركوا ما هم عليه من نسك وعبادة وزهد، وانغمسوا في ملاذهم، وتبعوا أهواءهم، فخلعوا العذار، ونهزوا مع الغواة بدلائهم، وأساموا سرح اللهو كيفما شاءوا.

وقد اشتهر من هؤلاء قس كان بالحيرة، ذمر خبره الخفاجي وياقوت ووصفه بعضهم قائلاً:

إن بالحيرة قساً قد مجن ... فتن المجان فيه وافتتن

<<  <  ج:
ص:  >  >>