ويحتملون شقاء الحاضر بجلدِ الشريد، كالأطفال أو الشعوب الهمجية. وهذه الصفات ذاتها تمثل في فنهم، فرقصاتهم عاصفة مضطرمة الروي، فياضة بالغزل، ونصوص أغانيهم فياضة بالرموز الغرامية، والكلمات الضخمة، والإخلاص الساذج، وألحانهم محزنة منكسرة، روى مطبق، وغزل مطلق، وفسق خالص يلهب أعصابهم، وهذا ما يشحذ مشاعرهم بنوع خاص، ويعاونهم على التمكن من روح الموسيقى والقوافي الأجانب تحدث فيهم نفس الأثر؛ فالنوري الروماني ينشد الأغاني الرومانية، والنوري السربي ينشد الأغاني السربية، والنوري السلافي ينشد الأغاني السلافية، ويجمعون في كل مكان عناصر الموسيقى الخاصة بالشعب الذي يعيشون بين ظهرانيه؛ والنوري المجري، هو الوحيد الذي لا تتأثر موسيقاه بخواص الموسيقى الريفية المجرية، وذلك لأسباب خاصة به وبظروفه ذلك أن الموسيقيين من النور المجريين هم أشراف النور، فهم يرتفعون فوق مستوى جنسهم، وفي أحيان كثيرة نراهم وقد نسوا لغتهم الأصلية، وغيروا كل ظروف حياتهم. وفي القرى يتحول النوري من حرفته العادية إلى الموسيقى، وفي يوم الأحد وأيام الحفلات أو السوق يحمل آلاته الموسيقية، القيثارة أو المزمار أو غيرهما، ويذهب مع بعض زملائه إلى مجالي النزهة، ولموسيقاه ضجيج مروع، وصخب يصمهم، ولا تشترك مع موسيقى الحضر إلا في الروي، ويتحول النور إلى احتراف الموسيقى شيئاً فشيئاً، ويهجرون صنع الأواني والسلع الخشبية والآجر، ويجتمع بعضهم فيؤلفون فرقة (أوركستر) ويتجولون يوم السوق من قرية إلى قرية، ويلاحظ أيضاً أنهم أخذوا يستبدلون ثيابهم النورية بثياب الحضر، وبين النور المجريين كثيرون ممن درسوا في معهد الموسيقى الأعلى (الكونسر فتوار)، ومنهم من درس الموسيقى نظرياً وعلمياً، ومنهم فانون يعجب بفنهم العالم كله، فهم حقاً من أمراء الموسيقى، لهم مقامهم في المجر وفي الخارج؛ وممن قدر موسيقاهم وأعجب بها أساتذة عظام مثل هيبرمان وكيبورا ولسزت.
وقد كان من المستطاع أن نحمل النور المجريين على درس الموسيقى الريفية الأصلية، كإخوانهم نور رومانيا أو سلوفينا أو روسيا؛ فالنور يتلقون ببراعة مدهشة كل فن وكل روي، وتلك أعظم خواصهم؛ والنوري يغتبط جد الاغتباط إذا ألفى مستمعاً يستطيع أن يرشده وأن يعلمه الأسلوب الحق؛ وعندئذ يدرك معنى الموسيقى الريفية وينفذ إلى روحها،