(الأهل شم الخزامى ونظرة ... إلى الخير من قبل الممات سبيل)
وثنى يغني، وهو يلمس كأسه، ... وأدمعه من وجنتيه تسيل:
(سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي ... ويحدث بعدي للخليل خليل)
سقى الله عمراً لم تكن فيه عُلقةٌ ... لهمّ، ولم ينكر عليّ عذول
وقد كان هؤلاء النصارى يتوسلون بكل ذريعة لاجتذاب المجان، وأهل اللهو وعشاق الخمور، وفي طليعة ما يتذرعون به تجويد الشراب واختيار السقاة والمغنين والمغنيات وتهيئة ما يلذ به الشارب والماجن من وسائل التلذذ والطرب، وربما كانت ابنة القس تدير الكأس على أحلاسها، أو راهبة الدير تبيع لهم الخمور، وما أطيب الكأس من كف خود رعبوب. . . قال شهاب الدين العمري في الدير الأبيض من أديرة مصر:
وكأس المدام علينا تطوف ... بحمراء صافية كاللهب
يطوف بها من بنات القسو ... س باخلة الكف ليست تهب
مبتلة بين رهبانها ... لألحاظها في حشانا لهب
مسيحية طلعت في المسو ... ح، كصبح أطل وليل ذهب
وربما جرت في مجالس الخمرة أمور مما (يحسن) الظن عندها كما يقول ابن المعتز (فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر) وقد يبلغ الفسق منتهاه في غالب الأحيان، فلا رادع للقوم من دين، ولا وازع لهم من أخلاق، يحتسون الخمور على أصوات العود والناي، وتبلغ الفوضى بهم غايتها، فلا تجد إلا قبلاً وعناقاً، وإنسان سوء (خلف) إنسان. . . قال جحظة في دير الزندورد
سقياً ورعياً لدير الزندورد وما ... يحوي ويجمع من راح وغزلان
دير تدور به الأقداح مترعة، ... بكف ساق مريض الجفن وسنان
والعود يتبعه ناي يوافقه، ... والشدو يحكمه غض من البان
والقوم فوضى ترى هذا يقبل ذا ... وذاك إنسان سوء خلف إنسان
وحدث أن مر الشاعر الكندي المنبجي بدير مار ماعوث فاستحسنه ورأى غلاماً في رهبانه جميلاً يلثغ بالسين يجعله ثاء قال: (فشددت سميريتي إلى جانب الدير، واشتريت شراباً من الرهبان، وبت هناك منادماً لذلك الغلام. فلما أردت الرحيل أنشدته: