للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وطاف بالكأس لنا شادن ... يدميه مس الكف من لينه

فلم يزل يسقي ونلهو به ... ونأخذ القصف بآيينه

وربما هاجت بهؤلاء المجان طربات، وثارت بهم نزوات، وهم ينزفون الدنان، على غناء القيان، وعزف الأوتار، ونقر الدفوف، وحث الكؤوس. . . وربما ذكروا الصلاة وهم في حالهم هذه، وقد فاتهم أوانها، فيسرعون إليها متعثرين كأنهم يقلعون أرجلهم من طين. . وفي مثل هذه الصفة يقول ابن عمار الأسدي يذكر سكرة له بدير اللج مع صحب من عصابته ومعهم سعدة والزرقاء (سلامة) وربيحة، وهن جوار مغنيات كن لابن رامين مولى عبد الملك بن بشير بن مروان وهي أبيات ظريفة منها:

ما انس سعدة والزرقاء يومهما ... باللج، شرقيه فوق الدكاكين

تغنيانا، كنفث السحر تودعه ... منا قلوباً غدت طوع ابن رامين

نسقي شراباً كلون النار عتقه ... يمس الأصحاء منه كالمجانين

إذا ذكرنا صلاة بعدما فرطت ... قمنا إليها، بلا عقل ولا دين

نمشي إليها بطاء، لا حراك بنا ... كأن أرجلنا يقلعن من طين

أو مشي عميان دير لا دليل لهم ... سوى العصى إلى عيد الشعانين

أهوى ربيحة إن الله فضلها ... بحسنها، وغناء ذي أفانين

وربما سكن هؤلاء المجان مع قسيس الدير، وقد شمطت يداه وأرعشه الإدمان، فيبكي ويغني، ويشرب دمعه وخمره، تمده أريحية مخمورة، وعاطفة مسجورة، وفي مثل هذه الحال يقول جحظة في دير العذارى الذي في سامراء، وفيها أبيات وجيعة تنتفض ألماً ورقة، قال:

ألا هل إلى دير العذارى ونظرة ... إلى من قبل الممات سبيل

وهل لي بحانات المطيرة سكرة ... تعلل نفسي، والنسيم عليل

إلى فتية ما شتت العذل شملهم ... شعارهم عند الصباح شمول

وقد نطق الناقوس بعد سكوته ... وشمعل قسيس، ولاح فتيل

يريد انتصاباً للقيام برغمه، ... ويرعشه الإدمان فهو يميل

يغني وأسباب الصواب تمده ... وليس له فيما يقول مثيل:

<<  <  ج:
ص:  >  >>