نأسى إذا الشمس جازتنا مودعة ... نأسى عليك إذا حثت مشعشعة
فينا الشمول وغنانا فغنينا
لا شئ يسكن شيئاً من بلابلنا ... ولا نرجى عزاء من وسائلنا
ظمائن الأنس شالت عن منازلنا ... لا أكؤس الراح تبدي من شمائلنا
سيما ارتياح ولا الأوتار تسلينا
وفي سنة ١٩٠٥ قامت الحرب بين روسيا واليابان، وحدث فيها ما حدث من الوقائع والفظائع، ومنيت فيها روسيا بهزيمة منكرة لم تكن في الحسبان، فاتخذ فارس الخوري من مشاهد تلك الحرب الضروس موضوعاً لملحمة شعرية تتألف من أربع قصائد ألم فيها بالأسباب التي دعت إلى إشهار تلك الحرب وذكر المعارك والمواقع البحرية والبرية التي جرت بين الصفر والبيض، وفتح للانفعالات النفسانية والتخيلات الشعرية مجالاً رحباً في الوصف حتى جاءت تلك الملحمة مزيجاً من التقرير التاريخي والخيال الشعري، ولما كان ولي عهد روسيا يومذاك قد ولد أثناء تلك الحرب فقد ختم ملحمته متوجهاً إليه بهذه الأبيات:
ها أنت تنمو في رعاية والد ... حان يذود السوء عنك ويطرد
والبعض من أبناء جيلك لا أب ... يحنو عليهم إن بكوا وتنهدوا
آباؤهم سقطوا بساحات الوغى ... ليوسعوا لك دولة ويمهدوا
فإذا نموا وملكت فارفق ذاكراً ... حق الذين على ولاك استشهدوا
وعساك تنشأ عادلاً لا تدعي ... أن الجميع لأجل عرشك أوجدوا
فالملك جسم والعدالة درعه ... درع بمحبوك الحديد مسرد
والملك بستان أعز سياجه ... عدل به ريح المخاوف تركد
يتوقع الإصلاح منك وليتنا ... نحيا لنعرف ما يجيء به الغد
ولقد تمت الأمنية للشاعر، فعاش - بارك الله في حياته - حتى رأى ما جاء به الغد، وعلم ما كان من مصير وولي العهد، فغيرت الدنيا وتبدلت الأوضاع، فقامت دولة مكان دولة وظهرت شريعة على أنقاض شريعة، ولكن غريزة الوحش في الإنسان لم تتغير، فما زال يستعمل نابه وظفره في قتل أخيه الإنسان، وماذا كانت تلك الحرب (الروسية اليابانية) أيها الشاعر إلى جانب ما شاهدت ورأيت بعد ذلك من أهوال حربين عالميتين لا تزال آثارهما