لقد حدثني الأستاذ المازني قال: لقد قرأت كتاب الأغاني في مطلع حياتي، وقد عمدت إلى فك أجزائه إلى ملازم ليسهل عليّ حملها أينما سرت، وقد عنيت أثناء القراءة بتصحيحه وإكمال القصائد التي فيه، ونسبة الأبيات المجهولة إلى قائليها والاستدراك على تراجم الشعراء، وكنت أكتب هذا كله في ورق أبيض وألحقه بالمطبوع، ثم جلدت الكتاب فكان في ضعف حجمه، وكانت هذه النسخة عزيزة على نفسي، ولكني فقدتها في محنة من محن الدهر، فأورثتني حسرة لا تزال عالقة بقلبي إلى اليوم.
حدثني الأستاذ المازني بهذا الذي صنعه في مطلع شبابه، وكنت منذ أيام أتحدث إلى أحد الشبان الأدباء عن كتاب الأغاني هذا فشمخ عليّ قائلاً إن من العبث ضياع الوقت في كتاب الأغاني وغيره من تلك الكتب القديمة البالية التي أصبحت لا تجدي. . .
مرة أخرى أقول لكم: كلا أيها الإخوان، إن الأمر أشق مما تقدرون، فاصرفوا هذا التمرد إلى ما يجدي من الجهد النافع.
سؤال:
في العدد السابق من الرسالة قرأت في مطلع المقال الخامس من تلك السلسلة التي يدبج حلقاتها الأستاذ علي الطنطاوي بعنوان (على ثلوج حزرين) ما يلي:
(أقامت ليلى في دار أسعد شهرين محمولة على الأكف، مفداة بالأرواح، قد هيئت لها كل أسباب الرفاهية، وأحيطت بكل مظاهر الترف، وسيق لإسعادها كل ما وصلت إليه الحضارة وأبدعه العقل، فلا ترى إلا جميلاً، ولا تشم إلا طيباً، ولا تسمع إلا ساراً ولا تأكل إلا لذيذاً، ولكنها لم تكن سعيدة، ولم تر حسن ما هي فيه، لأنها افتقدت النور الذي ترى به جمال الدنيا حين افتقدت الحبيب).
وأنا أحب أن أسأل الصديق الفاضل: مادامت ليلى في هذه الحالة النفسية (لم تر حسن ما هي فيه) إذن كيف كانت (لا ترى إلا جميلاً، ولا تشم إلا طيباً، ولا تسمع إلا ساراً، ولا تأكل إلا لذيذاً؟).
هذا السؤال الذي بدا لي، وإني لفي انتظار الرد من الصديق الكريم.