- لا بأس. لا بأس فلنرجع إلى حجرتك ثانية؛ فقد بقي من الليل وقت ليس بالقصير؛ وأنت في حاجة إلى قسط من الراحة كبير وفي الصباح الباكر إن شاء الله ندبر وسيلة لإنقاذك.
ثم ودع القاتل عند باب حجرته وتمنى له ليلة هانئة. ثم انثنى إلى حجرة القتيل وجلس إلى جواره مع القراء يسترحمون له بتلاوة القرآن. بينما أغلق القاتل عليه بابه واستسلم للتفكير في مصيره وما سيأتي به الغد من أحداث.
نادى المؤذن لصلاة الفجر، فقام الشيخ إدريس وجدد وضوءه، واستقبل القبلة ورفع يديه إلى السماء وقال:
(اللهم لا رادَّ لقضائك، ولا سخط على بلائك، ابتليت فرضينا، وأمرت فأطعنا، فألهمنا جميل صبرك، وثبت قلوبنا على طاعتك، فلا عون إلا بك، ولا ملجأ إلا إليك، وإنك أرحم الراحمين، وأعدل الحاكمين). ثم صلى لربه في خشوع واستسلام ولما انتهت صلاته، أمر أحد رجاله أن يعد أسرع جياده، وينتظر به على باب الحديقة؛ ومعه إبريق ملئ بالماء. ثم أخذ كيساً ووضع به مبلغاً من المال، وأحضر سلة وشيئاً من طعام وفاكهة ووضعهما في السلة، وذهب إلى حيث الخادم ينتظر بالجواد؛ وأمره أن يأتيه بالضيف من حجرته.
قضى القاتل ليلة ليلاء لم يغمض له جفن، ولم يهدأ له بال، ولم يسكن له خاطر، فما أن طرق الخادم بابه حتى أيقن أن ساعته قد دنت، وأن حَيْنه قد حان، وتلك آخر لحظاته، فجثا على ركبتيه، وصلى على طريقته المسيحية صلاة الوداع لحياته؛ ثم قام وتابع الخادم وهو يترنح كالسكران من هول ما يلاقيه. فلما وصل وجد مضيفه وحاميه ممسكاً بعنان الفرس، متكئاً على جدار الحديقة فما أن أبصرهما حتى صرف الخادم ثم وجه الكلام إلى القاتل فقال:
- أيها الشقي التعس! ألا فاعلم أن الذي استقر سهمك في صدره هو ابني ووحيدي وأنه لم يكن متجنياً عليك، ولم يبتدرك بإساءة!! إنك لا تستطيع أن تتخيل أي دور لعبت في تدميري، وتحطيم قلبي أنا ذلك الشيخ الفاني، لقد هدمت بنياني، وقوضت أركاني، وقتلت كبدي. إن الصراع الناشب في نفسي، لا يقدر قدره ولا يبلغ مداه. . . هذا وحيدي وسندي في الحياة جثة هامدة بين عينيّ، تناديني روحه من عليائها أن أنتقم له، وهذا قاتله بين يدي، وفي حوزتي، ولكن يمنعني من الثأر منه ذلك العهد الذي قطعته على نفسي أن