في الحجرة الأولى عن يمين الداخل إلى المنزل كان اللاجئ المسيحي يرتجف خوفاً وهلعاً، كلما تعالت أصوات البكاء والعويل، وتنثال عليه الأفكار السوداء والخواطر المثيرة، ويقول في نفسه: ماذا أعمل إذا كانت تلك مناحة القتيل وقد زجت بي المقادير إلى بيته؟ ثم يعاوده شئ من الهدوء ويقول: لو أن الأمر كذلك لدخل عليّ أهله ولمزقوني شر ممزق منذ أن وصل القتيل للبيت. ظلت الأفكار المضطربة تنتاب ذلك اللاجئ شطراً كبيراً من لليل ثم تأكدت مخاوفه وأسرع خفقات قلبه، عندما عالج الشيخ باب حجرته ثم فتح مصراعيه، ودخل عليه وبيده مصباح مضيء. ثم ابتدر الغريب وقال له:
قل لي بربك يا صاح! أكان الرجل الذي قتلته منفرداً أم كان في جماعة من أصحابه؟
- لا لا! إنه لم يكن وحيداً يا سيدي، بل كانوا أربعة، وقد استثاروني فاستعملت السلاح دفاعاً عن نفسي،. . . وإني أستحلفك بالله أن لا تسلمني إليهم فإني برئ، برئ.
- لا تخش شيئاً فلن أسلمك لأحد، ولكن هيا اتبعني قليلاً.
قام الرجل متثاقلاً. وتبعه متعثراً في مشيته وكأن رجليه تعجزان عن حمله وكان كلما تقدم وراء الشيخ خطوة، اعتقد أنه يقترب من الموت خطوات، وظل كذلك حتى وصل إلى الحجرة التي نقل القتيل إليها، فدخلها وراء السيخ فوجد بجانبه أربعة يرتلون آي الذكر الحكيم، فتقدم إليهم الشيخ وفتح لهم باباً داخلياً وطلب إليهم أن يلجوه، وأن ينتظروا ريثما يسترجعهم، ثم طلب إلى الغريب أن يتقدم إلى سرير القتيل ثم رفع الغطاء عن وجهه وقال له:
- هل هذا الرجل هو الذي أصابه سهمك؟
عرف الرجل في المسجى على السرير ضحيته، فاصفر وجهه، وتصبب عرقه، وجف ريقه، وتلاشت الكلمات في حلقه، والتاث عليه مسلك القول، فقال له الشيخ في هوادة ورفق:
- قل الحقيقة ولا تخف يا بني. فليس عليك من بأس، فقال الغريب بصوت متقطع كأنه خارج من جوف بئر:
- نـ. . . نـ. . . نعم هو يا سيدي، ولكن بحق نبيكم محمد ارحمني وأشفق علي؛ فإني لم أقتله متعمداً، أنا برئ، إن هذا الشاب قد ابتدأني بالشتائم وقد دافعت عن نفسي. . .