والبقعة التي تشمل دهلي الحاضرة وما حولها قامت فيها مدن عدة باسم دهلي فحول دهلي الحديثة أطلال ست مدائن سميت بهذا الاسم، تنتشر في خمسة وأربعين مربعاً.
وتاريخ المدينة الحاضرة يبدأ من القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) أسسها الملك الكبير المعمر الذي ترك في الهند آثارا لا تضارعها آثار في الهند ولا غيرها. شاهدهان ابن جهانكير بن اكبر بن همايون بن بابر. خامس الملوك العظام من هذه الأسرة العجيبة التي نشأت ستة ملوك كبار على نسق واحد سيطروا على الهند مائتي سنة وأورثوا أعاقبهم دولة بقيت مائة وخمسين سنة أخرى.
بنى شاهجهان المدينة الحاضرة وسماها آباد وكان طولها على ضفة النهر ميلين ونصف.
ولا تزال قطع من أسوارها قائمة يجتاز السائر في المدينة أبواباً فيها منها باب اجمير في الجدار الغربي من السور وباب كشمير في الجدار الشمالي وقد اجتزت هذا الباب كثيرا بين الفندق الذي نزلت به في دهلي القديمة ومكان المؤتمر في دهلي الجديدة، ويرى خارج هذا الباب تمثال لأحد قواد الإنجليز ومدافع قديمة هي من بقايا الحروب التي شهدها هذا السور وأخرها ثورة سنة ١٢٧٣هـ (١٨٥٧م).
- ٣ -
وأعظم ما يرى السائر في الجادة الكبير التي تخترق المدينة في جانبها الغربي من الشمال إلى الجنوب بناءان عظيمان رائعان: المسجد الكبير الذي يسمى مسجد الجمعة (جمعة مسجد) والقلعة الحمراء (لال قلعة) منظران يفصلهما الطريق فيحتار الطرف بينهما، القلعة ذات الأسوار العالية والأبراج العظيمة والهندسة المحكمة الجملية، والجامع الكبير الرائع ذو القباب الثلاث البيضاء والمنارتين، وكلا البناءين الخالدين مبنى بالحجر الورد وهو يغلب في أبنية السلاطين التيمور بين ويجلب من اجرا. وهما نضيران لم تغير منهما الأحداث. ولم تنل منهما الغير ثبات الحق على كر العصور والمجد المؤثل على مر الدهور.
دخلت الجامع مغرب يوم الخميس ٢٦ ربيع الثاني (١٩ آذار) يوم بلغت دهلي، صحبنا إليه الصديق القديم السيد محمد الفاروقي فادينا به صلاة المغرب ثم صلينا الجمعة التالية.
وهذا الجامع بناه شاهجهان بين سنتي ١٠٥٨، ١٠٦٠هـ بعد أن بنى القلعة بسنتين وهو