ولقد عجب الذين لا يعرفون الخوري لما سمعوا أنه لي يقرأ خطبته من كتاب، ولا تلاها من ورقة، بل أرتجلها ارتجالا ولم يكن في يده إلا بطاقة فيها (خرابيش) بالقلم الرصاص، رآه النقراشي وهو يخطها فحسب إنها مذكرات له في مسائل عادية من مسائل الحياة، فلما رأى إنها هي الخطبة العظيمة التي هزت أضخم هيئة دولية في الأرض، بلغ عجبه من هذا الرجل، وإعجابه به، أبعد حدوده. . . . .
أما نحن فلم نعجب، لأن الشيء من معدنه لا يستغرب، وهذا الرجل الذي بدأ يتعلم الإنكليزية قبل أن يولد أكثر أعضاء الوفد المصري في مجلس الأمن، والذي أعطاه الله هذا الذهن العجيب، فجعله لغوياً أديباً شاعراً حقوقيا مشاركا في كل فروع الثقافة، وأمده بمنطلق سديد، وعقل نادر المثال، ورزقه ذكاء ما أعرف أحد منه ولا أمضي، وبديهة غريبة، وجعل له مع ذلك كله، هذا الرأس الكبير، وهذه الشيبة المهيبة، وهذا الصوت المدوي لملئ بالعظمة والثقة بالنفس والتعالي، وهذا الصدر الواسع، وهذا الحلم مع القوة، وهذا الحزم بلا عنف، هذا الرجل لا يستكثر عليه أن يرتجل خطبة باللغة الإنكليزية، وأن يحول بها أفكار وكلام الدول في مجلس الأمن.
وبعد فلا يحسب القارئ أني غلوت، أو بالغت، فما ذكرت إلا ما أراه حقا، وما في الأمر مجال لرغبة تدفع إلى المدح، ولا رهبة تمنع من القدح، فأنا لا أرهب الرجل، ولا أرغب في شئ منه، وربما مرت هذه المقالة فلم يقرأها، وإنما أريد المشاركة في تأريخ سيرة عظيم من عظماء العرب.