ما هو المصدر الذي نحصل منه إذاً على معرفتنا بالرمزية؟ أن استعمال اللغة في الحديث لا يشمل إلا جزءاً بسيطاً فقط، بينما الأمثلة المتعددة في المجالات الأخرى تكون في الغالب مجهولة لدى الحالم، وقد عاينا نحن أنفسنا في مبدأ مشقة في تنظيمها والمقارنة بينها.
ونقطة ثانية هي أن هذه العلاقات الرمزية ليست صفة خاصة بالحالم أو بعمل الحلم، وهو السبب في التعبير بها، لأننا اكتشفنا أن نفس هذه الرموز مستعملة كذلك في الأساطير (الحواديت) وفي الأقوال المأثورة والأناشيد، وفي الأحاديث الدارجة والخيالات الشعرية. فميدان الرمزية ميدان غريب الاتساع، وليست الرمزية في الأحلام إلا جزءاً صغيراً منه، وحتى إذا عالجنا الموضوع بأكمله من ناحية الأحلام فقط، فلن يكون في ذلك نفع ما. فكثير من الرموز التي تقع باستمرار في نواح أخرى، يندر ظهورها في الأحلام أو ينعدم بالمرة. ومن ناحية أخرى نجد أن الرموز المستعملة في الأحلام لا تمر بنا في كل مجال آخر، ولكنها كما رأيتم، موزعة هنا وهناك. ومن يتولد لدينا الإحساس بأننا نعالج أسلوباً قديماً في التعبير قد بطل استعماله، ولم تبق منه إلا نتف بسيطة متناثرة، واحدة هنا فقط، وأخرى هنالك فقط، وثالثة في مجالات متنوعة، ربما على أشكال مختلفة بعض الاختلاف.
وثمة نقطة ثالثة، فلا شك أنكم ستدهشون لأن الرموز التي تقع في المجالات الأخرى التي ذكرتها لكم، ليست قاصرة على المواضيع الجنسية فقط، بينما نجد في الأحلام أن الرموز يقصر استعمالها في الغالب على تمثيل الأشياء والعلاقات الجنسية. وهذه النقطة من الصعب تعليلها. أيحق لنا أن نفرض أن الرموز التي كانت في مبدأ الأمر ذات دلالة جنسية، قد صار استعمالها أخيراً بشكل آخر، وأن من الجائر أن يكون هناك ارتباط بين ذلك وبين الميل عن الأسلوب الرمزي في التعبير إلى أساليب أخرى؟ أظن من الواضح أننا لا يمكننا الإجابة عن هذه الأسئلة إذا اقتصرنا على معالجة الرمزية في الأحلام فقط، وكل ما نستطيع عمله الآن هو أن نتمسك بما افترضناه من أن هناك علاقة خاصة قريبة بين الجنسية والرموز الحقيقية.
وهناك دليل هام في هذا المعنى قدمه إلينا أخيراً الباحث في فلسفة اللغات (إتش سبيربر)(وهو يعلم مستقلا عن التحليل النفسي) وهو أن الحاجات الجنسية كان لها النصيب الأكبر