في نشأة وتطورات اللغات. فهو يقول أن الأصوات الأولى التي نطق بها الإنسان كانت وسيلة للمناجاة والاتصال بينه وبين الجنس الآخر، ثم تطور الحال فيما بعد وصارت عناصر الحديث تصاحب أنواع العمل المختلفة التي يقوم بها الرجل البدائي. فكان الناس يبذلون الجهود المشتركة في القيام بهذا العمل وهم يدندنون بأصوات وترانيم منغمة تسبغ على العمل طابعاً من الاهتمام الجنسي. ومعنى هذا أن الرجل البدائي كان يجعل العمل مستساغاً بأن يزاوله كما لو كان مساويا أو بديلا من النشاط الجنسي. ولذا فالكلمة التي كان ينطق بها أثناء العمل المشترك كانت تحمل معنين، أحدهما يدل على العملية الجنسية والأخرى على العمل الذي صار مساويا لها؛ إلى أن جاء الوقت الذي انفصلت فيه الكلمة عن دلالتها الجنسية وصار استخدامها محصوراً في الدلالة على العمل. وعلى ممر الأجيال حدث نفس الشيء لكلمة جديدة لها دلالة جنسية، فصار استخدامها للدلالة على نوع جديد من العمل. وبهذه الطريقة برزت عدة كلمات أصلية كانت كلها ذات مصدر جنسي، ولكنها فقدت جميعاً معناها الجنسي. فإذا كان هذا القول الذي ألمنا بطرف منه هنا صحيحا، فإنه يفتح أمامنا على الأقل وسيلة لفهم الرموز في الأحلام، نستطيع أن ندرك السبب في أن الأحلام، وهي تحتفظ ببقية من هذه الصفات البدائية، تحتوى على عدد من الرموز الجنسية أكبر من المعقول، أن الأسلحة والأدوات على العموم تمثل الذكر، بينما المواد والأشياء التي يجري عليها العمل تمثل الأنثى. ومعنى ذلك أن العلاقات الرمزية عبارة عن مخلفات هذا التشابه القديم بين الكلمات، فالأشياء التي كان لها في يوم ما نفس الاسم الذي يطلق على الأعضاء التناسلية، تستطيع أن تظهر الآن في الأحلام كرموز لها.
والنقطة الرابعة التي أود ذكرها تكر بنا راجعين إلى المكان الذي بدأنا منه ثم تسلك نفس الطريق الذي سلكناه. فقد قلنا أنه حتى على فرض أن الرقابة رفعت عن الأحلام، فإننا سنلاقي مع ذلك صعوبة في التفسير، لأننا سنواجه في هذه الحالة بمشكلة اللغة الرمزية المستعملة في الأحلام والتي تتطلب منا ترجمتها إلى اللغة المستعملة في حياة اليقظة. وعلى هذا فالرمزية تعتبر عاملا ثانيا قائما بذاته في تحريف الأحلام، وهو يقف جنبا بجنب مع الرقابة ولكن النتيجة الواضحة هي أن الرقابة تجد أن من الملائم لها أن تنتفع بالرمزية، بما أنهما يخدمان نفس الغرض، أي خلع هالة من الغرابة والغموض على الأحلام.