إليها وإذا بها بهبط إلى أعماقي! وإلى البساتين والكروم والحقول التي كنت أتمشى فيها وإذا بها تتمشى بين جنبات ضلوعي، وكأن كل غرسة فيها غرست في داخلي. وكأن كل يد تعمل في ترتيبها تعمل في تربة نفسي!. . .
أكاد لا ألمس حجراً إلا تفجرت منه سيول من الطهر والجمال! أكاد لا أسمع زقزقة عصفور إلا سمعت فيها أجواقاً من الملائكة ترنم بصوت واحد (قدوس. قدوس قدوس.!) أكاد لا أرفع بصري إلى نجم إلا تدلت منه سلالم سحرية. هي سلالم المحبة التي تربط كل ما في السماء بكل ما على الأرض!. . .
ومن ثم فكيفما انقلبت تجمهرت على ذكريات ما كان من حياتي قبل هجرتي. فهي تثب على من جوانب الطرق، وشقوق الصخور، وخطرات النسيم، وقطرات عيون بسكنتا الكثيرة) فأي امتزاج في الطبيعة هذه الأمتزاج؟ وأية صوفيه، وأية روحانية تطالعا بك من هذه الفقرات؟!
إن الشعور الطاغي الذي كان (سديماً) في صدري قد جعله نعيمه شموساً وأقماراً وأرضاً، والأفكار المشوشة، والحنين المبهم والشوق المحرق، قد حوله نعيمه بمقدرته الفنية إلى أدب رفيع وفن رائع!
إن ما كنت أحس بالرغبة للتعبير عنه لا أستطيع إليه سبيلا بغير الصمت والخشوع والدموع، قد عبر عنه نعيمه بأسلوب الملهمين وأصحاب الرسالات الروحية الخالدين!
فالكاتب الذي ينطق بلسانك ويشرح ما يكنه جنانك هو أديب وأي أديب!. . .
والأديب الذي يجد الناس في أدبه بلسما لجراحهم ومتنفساً لخواطرهم ومعبراً عن أحاسيسهم ومشاعرهم هو أديب فيه نبوة وفي أدبه قدسية!. . .