للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والقوت، فأجزل لنا من لدنك العطاء. إنك على كل شئ قدير.

ووقعت من نفسي هذه العبارات موقعاً جميلا، فأحسنت ببرد الراحة، ولذة النعيم، ومتعة الهدوء، كأنما أزلت بهذا ما بيني وبين الله من جفاء، سببه الاعتراض على مجاري القضاء، وتصاريف الأقدار!!

هاهي ذي الساعة تعلن العاشرة مساء، ولما تصل الباخرة إلى عنيبة. . . إنها الآن في طريقها إلى (إبريم)، وربما تصل عنيبة في منتصف الليل، أو بعد بقليل، فاللهم اكتب لنا السلامة والعافية، والنجاة من هذه الأخطار. . .

النيل جميل، قد انبسطت صفحته في رحابة رائعة، ولقد يتسع أحياناً حتى لا تكاد ترى له شاطئاً. . . قد أخذت أنوار الباخرة تنشر على صفحته الرجراجة ثوباً من النور يأخذ بمجامع القلوب. . . والهواء عليل، ينعش الأفئدة، ويشرح الصدور، على الرغم من أننا كنا في السابع والعشرين من نوفمبر ١٩٤٦، وقد تركنا القاهرة خلفنا يفتك بردها بالأبدان والجسوم. . . والجبال مطبقة علينا أو يزيد. . . ذلك النخيل الذي كان في يوم من الأيام عماد ثروة طائلة، وغنى لهذه الربوع والنجوع ولكن مياه الفيضان أضرت به، فذوي منه الكثير، وجف الكثير، ول يبق منه إلا القليل، طغت عليه المياه، فحرمته متعة الحياة!!

لا يزال ضجيج الباخرة، وخرير المياه المنسابة من بين أجزائها الثلاثة، يدفع عن عيني لذيذ النوم.

وأخيراً ها هي ذي عنيبة بمبانيها الفاخرة. . . مبانيها الحكومية التي تضم عشرات الموظفين، وها هي ذي الباخرة تقف في المرفأ بعد الواحدة والنصف بقليل. أي بعد ست وثلاثين ساعة من حين قيامها من الشلال. . .

عبد الحفيظ أبو السعود

<<  <  ج:
ص:  >  >>