المعارف معنا ما شاءت من الإجراءات، وليفعل الله بعد ذلك ما يريد. . .!!
ولكن صوت الواجب هز المشاعر، ودوى في الآذان. . . الواجب الإنساني، وواجبنا كوطنيين مثقفين، نعمل على رفعة الوطن، عن طريق تنوير الأذهان، وتثقيف العقول، وغرس الفضائل، ونشر المعارف بين مختلف الطبقات، وليس بين الطلبة والتلاميذ فحسب. . . هذا الواجب الذي أشربته قلوبنا، وجرى في أبداننا مجرى الدم في العروق. . . نحيا به، ونعمل له جادين غير هازلين، راضين غير كارهين، مخلصين غير متوانين ولا متكاسلين. . هذا الواجب ارتفع صوته قوياً، فبدد هذه الأوهام، وجعل منا قوة دافعة، وعزيمة وثابة، فانصرفنا عن هذا الفريق المثبط للهمم. . . حتى ذلك الزميل الثائر أفاق إلى نفسه واعتقد أن في الأمر مغالاة. . .!
يا لله! كيف تضاربت أقوال الناس إلى هذا الحد عن بلاد يدعى كل مهم أنه رآها وخبر أحوالها، وعاش فيها حقبة من الزمان؟! فمتى نرى بأعيننا خبر ما سمعنا لنحكم لها أو عليها، فأنا بطبيعتي لا أثق كثيراً بما أسمع، وخاصة وقد لدغت بضع مرات من هذا السبيل، على أنني بحمد الله مؤمن كل الإيمان، فأرجو إلا يتحقق في قول الرسول الكريم: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. . .
وخيل إلى الأمر كما يقول أخي جمال؛ حينما علم بنقلي إلى عنيبة.
- إن كل ما تسمع من مدح وافر، ثناء مستطاب، على جميع بلاد الوجه القبلي ومديرية أسوان خاصة، فهو من قبيل التعزية والتسلية. وتخفيف الألم، والبلاء. كما يقول الناس للرجل المرزأ، ما في رزئه من فضل وخير، وثواب وأجر، لأنه لا يرى في رزئه غير وجهه المظلم. . . وهذا كله لن يغير من أثر الرزء شيئاً، ما لم يكن هناك الاستعداد الكافي لتقبله والرضاء به. . .!!
ودخلت إلى مقصورتي، متزايل الأعضاء، وقلت في نفسي:
- صبراً يا رب، ففي سبيلك لا في سبيل المال فحسب، خرجنا إلى هذه البلاد النائية، حقاً إننا خرجنا للمنصب والجاه، والمال والثراء، ولكن هذا كله سعى وراء الرزق والقوت يا مولاي، وأنت سبحانك أدرى بخفايا النفوس، ومكنونات الأفئدة؛ وبواطن الأمور، ولقد اقتضت إرادتك تفضلا منك، أن تجزل الثواب والأجر لمن جاهد في سبيل العيش والرزق