هذه الحقيقة، وإلا فهل صلحت اللغة برسمها وعلومها هذه القرون الأربعة عشر، وصبرت على حكم الأتراك أولا ثم الفرس، ثم المغول، ثم المماليك العبيد، ثم الأتراك أخيراً، ورأت عصور الانحطاط، وعهود التخلف، وكانت في كل ذلك ظاهرة ظافرة، حتى لم يخل عصر من مؤلفين في النحو والصرف والبلاغة والأدب، وحتى وضع القاموس أشهر معاجمنا في عهد العثمانيين، وألف شرحه الجليل بعد الألف للهجرة، وحتى كان طلبة العلم في الدهور كلها عاكفين على النحو والصرف والبلاغة، إن لم ينالوا ثمرتها فقد حفظوا قواعدها، وإن لم يبلغوا مرتبة الأدب، فقد أحاطوا بعلوم الأدب. . . هل صلحت اللغة هذه القرون وبدا الآن فسادها؟ وهل استسهلها الفرس والروم والأتراك والهنود حتى ظهر منهم علماء أجلاء فيها، ولم تصعب إلى على أبناء العرب الأقحاح، بعد ما طلع فجر النهضة، وبدا النور؟ وما لشبابنا وحدهم دون شباب العرب في كل العصور، هم الذين عجزوا عن تعلمها والتمكن منها؟ أهم أقلّ ذكاء، وأضعف عقلا، منهم جميعاً، ومنا لما كنا في مثل أسنانهم قبل عشرين سنة؟ لا، بل هم أذكى منا، ووسائل التعلم في هذه الأيام أكثر، وطريقته أسهل، وربَّ بحث كنا نتصيد مسائله من متفرقات الكتب يرى الآن مجموعاً في كتاب واحد، ينادي: من يقرأ فيَّ؟ فما لهم يستصعبون العربية؟
وهل العربية أصعب عليهم من الكيمياء، والجبر والهندسة وهذه الألسن التي يزحم بعضها في رأس الطالب بعضهاً من تعددها وما لأكثرها من فائدة تلمس، أو عائدة تحس: اللاتينية التي أخذناها تقليداً بلا علم، والسريانية والعبرية والفارسية والتركية دعك من الفرنسية والإنكليزية وما لست أدري ماذا أيضاً؟ أهذه العلوم وهذه الألسن كلها سهلة جميلة، كأنها قصة من قصص الغرام، يشربها الطالب مع الماء، ويأكلها مع الحلوى، والصعوبة كلها في العربية؟
وإذا كانت هذه العلوم وهذه الألسن صعبة كلها فما هو السهل الذي يذهب الطالب إلى المدرسة ليتعلمه؟ ولماذا نفتح المدارس ونرهق الأمة بنفقاتها، ونحمل خريجيها على أعناق الناس حملا، بما حصلوا من العلم، وما نالوا من الشهادة؟
لا، ليس في العربية صعوبة، ولا في كتابتها وعلومها تعسير، هذه ضلالة يجب أن ينتهي