حديثها، وأن لا نعود إلى إضاعة الوقت، وإفساد النشء، في الكلام فيها. . . ويجب أن نحببها إلى الطلاب، ونرغبهم في مطالعة كتبها، حتى يألفوها، ويسهل عليهم فهمها، ولقد كنا في المدارس الابتدائية نقرأ الكتب العلمية الكبيرة حتى إني قرأت (حياة الحيوان للدميري) - وقد وقع في يدي اتفاقاً - قبل أن آخذ شهادتها، وقرأت (الأغاني) كله - متخطياً إسناده، وما لا أفهم منه - في صيف السنة الثانوية الأولى، وكنا يومئذ نحسن المراجعة في الخضري وفي المغني، وكان فينا من ينظم ويكتب، وعندي مقالات كتبتها في تلك الأيام، قد لا ترضيني أفكارها ولكن أسلوبها يرضيني اليوم، ولرفيقي أنور العطار شعر (قاله في ذلك العهد) جيِّد، منه قصيدة (الشاعر) التي نشرتها كبرى المجلات الأدبية يومئذ (الزهراء)، وهي في نحو ستين بيتاً، أحفظ منها قوله، وما ذلك من خيارها فكلها خيار:
كتب البؤس فوق خديه سطراً ... تتراءى الآلام في كلماته:
للهوى قلبه، وللشجو عينا ... هـ وللعاملين كل هباته
وهو نهب لحادثات الليالي ... وحلال للدهر قرع صَفاته
يتلقى بصبره نزوة الدهر ... ويشكو لربِّه نزواته
وكنا نختلف إلى بعض العلماء، نسمع دروسهم العامة في المساجد، ودروسهم الخاصة في البيوت فما أكملنا الدراسة الثانوية حتى قرأنا مع علومها، النحو على المشايخ والبلاغة والفقه والأصول والحديث، وحضرنا كتباً في التفسير والكلام والتصوف، وعرفنا عشرات من أمّات كتب العلم، قرأنا فيها أو تصفحناها أو رجعنا إليها، وحفظنا أسماء مئات من أعلام الإسلام، من الصحابة والتابعين والفقهاء والمحدثين والمفسرين والفلاسفة والقواد والأدباء والشعراء، حتى صارت إسناد الحديث والأدب مألوفة لنا، لكثرة من عرفنا من رجالها، ومن لا نعرفه نرجع إلى ترجمته، وكنا في الثانوي نرجع إلى الإصابة وأسد الغابة والاستيعاب، وتهذيب التهذيب، وتهذيب الأسماء واللغات، وابن خلكان والفوات ومعجم الأدباء، وطبقات السبكي وتاريخ الخطيب وابن عساكر، والديباج المذهب، وطبقات الحنفية والبغية، وتاريخ الخلفاء، والقفطي وابن أبي أصيبعة، وهذه الكتب كلها - وأخرى نسيتها - في مكتبتي وكانت تحت يدي من تلك الأيام. . . وإن زادت الآن (بحمد الله) كتباً كثيرة. . .