للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد نبغ في صفنا (فصلنا) جماعة من الأعلام، هم في الشام اليوم واسطة عقد الثقافة، والحلقة التي كانت مفقودة فوجدت فيهم والطبقة التي ليس لها جمود الشيوخ وإن كان لها بحثهم وتحقيقهم وليس لها نزق الشباب وخفتهم، وإن كان لهم نشاطهم، كسعيد الأفغاني الأديب المحقق الضليع، وأنور العطار الشاعر العَلَم، ومحمد الجيرودي الأديب العالم الذي جعله أدبه وعلمه نابغة المحاماة في دمشق، وجمال الفرا ووجيه السمان، الأديبين الأصيلين اللذين غلبت عليهما الطبيعة وعلومها، وقد نبغ في الصف الذي أمامنا طائفة أخرى من الأعلام. كأسعد الكوارني نابغة المحاماة في حلب ووكيل وزارة العدل اليوم ووزيرها أمس، الذي ظهرت عبقريته طالباً ومحامياً وموظفاً، وزكي المحاسني الأديب الشاعر، الذي لم يمنعه سنه وقدمه أن يعود في الكبر طالباً، والذي نال بالأمس شهادة الدكتوراه وكان ثامن دكتور في الآداب خرج من الجامعة المصرية، وجميل سلطان الشاعر المصنّف، وعبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) الشاعر الأديب. . .

وما كانت تمر سنة لا ينبغ فهيا نابغون في الأدبْ والعلم، وممن نبغ في صفنا في كلية الحقوق ضيف مصر الآن العالم البحاثة مصطفى الزرقا، وهو اليوم من أساتذة الكلية المبرزين.

ثم شح الينبوع، ثم جفَّ أو يكاد، حتى ما نجد في السنين الطوال كاتباً ينبغ في الشام، أو شاعراً يظهر، أو محققاً يرى، ومازال الأمر إلى تخلّف. ولقد اشتغلت بالتعليم دهراً في الشام والعراق ولبنان فما فارقت فوجاً من الطلاب إلا استقبلت أضعف منه، حتى انتهى بي الأمر، أن دعيت في سنتين إلى تدريس الآداب لطلاب السنة الأخيرة من مدرسة ثانوية، فدخلت فوجدت رجالا كباراً، لهم طول وعرض، وأناقة في الثياب، ولباقة في الخطاب، وسمت ووقار، فهبتهم وأعددت العدة لتعليمهم، وحشدت كل ما أعطيت من قوة وعلم، على ضعف قوتي وقلة علمي، ومضيت على سنني حتى جاء موعد سؤالهم، فإذا هم من أئمة الجاهلين، وإذا هم لا يحسنون قراءة بيت ولا فهمه ولا إعرابه، ففررت منهم، حين وجدت أني إن كلمت ثيابهم وهيئاتهم منعتني جهالتهم، وإن خاطبت جهالتهم منعتني هيئاتهم.

فالحكاية ليست حكاية كتابة تسهل، ولا قواعد تيسر، ولا أغراض خبيثة تحقق من وراء هذه الستر اللماعة، ولا سموم تقدم في هذه الكأس البراقة، ولكنها مشكلة المعلم أولا،

<<  <  ج:
ص:  >  >>