وما دام المعلمون، أي أكثر من عرفت من معلمي العربية، أصحاب شهادات لا علم، خطفوا مسائل في المدارس خطفاً، وحفظوها حفظاً، ومنهم من تعلمها في ديار الغرب، وجاء منها بدكتورات حرب ومادامت دروس العربية تلقى بالعامية، وما دام مدرس الأدب يتكلم ساعة عن أبي تمام وأدبه وما قيل فيه، ولكنه لا يفهم بيتين من شعره، ولا يحسن شرحهما، ويعلم الأدب وهو ليس بأديب، وما دام يتصدر للإمامة في (فن القول) من لا يدري ما يقول - فمن أين يتلقى الطالب العربية؟
فهاتوا المعلم القوي في علوم اللغة، صاحب الاطلاع فيها، والذوق في فهمها، يصلح هو فساد المناهج، ويقوم اعوجاج الكتب، وييسر عسر اللغة، (إن كان فيها من عسر!) وهذا المعلم لا يوزن بميزان الشهادات وحدها، إلا إذا جاء وقت لا تعطى فيه الشهادات إلا لأربابها، وتكون شهادة حق لا شهادة زور، ففتشوا أنتم الآن عن ميزان آخر!.
أما التلميذ فيجب أن نحبب إليه المطالعة، ونعرفه قيمة العلم ونذيقه لذته، ولا يكون ذلك ما دامت المجلات والمطابع مفتحة أبوابها، لكل هذيان وعبث صبيان.
وبيان ذلك أن في نفس كل ناشئ في الأبد حباً للظهور، وهوى للنشر، فلا يجدّ إن جدّ إلا ليلقى اسمه على رأس مقالة في مجلة، أو على غلاف كتاب، ولقد كان الواحد من أصحابنا يتمنى أن ينشر ما يكتبه بعد طول الكد، ومتابعة السهر، في جريدة محلية، ثم يرتقى إلى المجلة الصغيرة، ثم يتدرج حتى يصل إلى مثل الرسالة أو الثقافة، هكذا كنا، وهكذا كانت لهذه المجلات هيبة في نفوسنا، فلا نقدم عليها إلا بعد الاستعداد، ولا نقدم لها إلا ما نعتقد أنه جيِّد، فتبدلت الحال، وعلا الشباب بالغرور، أو هبطت هذه المجلات، حتى صرنا نرى الغلام المبتديء، يكتب مقالته الأولى فلا يراها أقل من أن تنشر في الرسالة مثلا، مع مقالة العقاد والزيات، ولا يعدم بعد إدمان القرع للأبواب من يفتح له باب مجلة من هذه المجلات.
هذا الشاب الذي يرى أنه وصل إلى الغاية بلا تعب، ونال ما يطلب بلا مشقة، لا يجد بعد ذلك ما يدفعه إلى سهر الليالي، وتقريح الجفون، في مسامرة الكتب، والازدياد من العلم.
فليس الخطب خطب ضعف الطلاب في علم من العلوم، ولكنه خطب الأدب: إنها إن استمرت هذه الحال، ومات هؤلاء الكتاب البلغاء، وكل حي إلى ممات ولو طال به الأجل،