لم يبدل شيئاً من العلاقة الاعتيادية القائمة بينهما وأنه كان في الغالب حين يفرغ من ضربها يتركها برهة تكفكف دموعها ثم يعود إليها ليجرها، ثم ليطرحها إلى جانبه في فراشهما الحقير المشترك. ولو أوتيت ثقافة ووعياً لعلمت أن ما أحست به بغريزتها هو الواقع، وأن ضرب زوجها لها ما كان إلا انتقاماً لا شعورياً من مجتمع ظالم لم يعترف بوجوده كانسان فثار في نفسه وأراد أن يؤكد وجوده بشكل من الأشكال، وهو إلى جانب ذلك انتقام لا شعوري من نظام مقلوب لم يعترف له بالقوة والرجولة فثار كذلك وأراد أن يدلل على أنه قوي وأنه رجل.
قضت مع زوجها أعواماً لا تعرف لها عداً أو حصراً لأن الزمان وأقسامه لا يدخل في حساب من كانت حياتهم تسير على وتيرة واحدة لا فرق بين يومها وأمسها ولا يخبئ غدها غاية تحرك شوقاً أو تحيي أملا. كان يمكن أن تعرف تلك السنين من عدد أطفالها وأعمارهم ولكن هذا كان متعذراً لأنها ولدت له عدداً كبيراً من الذكور والإناث اختطف الموت أكثرهم وأبقى بعضهم كما اختطف قبلهم أخوتها وبقيت هي. ولم يترك موتهم أثراً عميقاً في نفسها وإن حزنت عليهم الحزن الشكلي التقليدي.
كذلك فعلت حين أدركت أباها الوفاة. ولم يكن هذا وليد نقص في حبها له أو لهم بل كان منشؤه ازدحام حياتها بأسباب الحزن والشقاء وهي عوامل لا تؤدي إلى كبير تعلق بالحياة أو عزوف عن الموت، وفي دنيا رتيبة قاتمة يحتل الموت مكانه التافه بين سائر عناصر تلك الحياة التافهة.
وانتقلت مع زوجها وأطفالها من مكان إلى آخر في الأرياف تبعاً لأهواء السادة مالكي الأرض والأرواح وسعياً وراء الرزق وهي إذ لم تختلف حياتها بين مكان ومكان، لم تحزن لفراق كوخ ولا فرحت لاستقبال كوخ فالكل عندها طارئ وغابر والكل عندها موقت مادام صلتها بالأرض وأهلها صلة عابرة ولا تربطها بها أو بهم تلك الروابط الضرورية الثابتة التي تجعل من الأرض وطناً وتخلق من نفوس سكانها عاطفة حب الوطن.
وفي مساء يوم مشئوم غادر رجلها الكوخ ولم يعد وآوت هي إلى فراشها وضمت إليها أطفالها تتولى في غيابه حراستهم من أخطار مجهولة. وتملكها الشك حين تقدم الليل دون أن يعود ثم استولى عليها الخوف حين سمعت في جوف الليل طلقات نارية وفي الصباح