للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أساليب بريطانيا في قهر الدول الضعيفة وابتزاز حقوقها.

فلما أحجم مجلس الأجاويد عن أن يقطع برأي في مسألة مصر والسودان، وخاف أن يمس كرامة بريطانيا الدولة الشريفة النبيلة إذا هو حكم لمصر والسودان بالحق، وتنزه عن وصف بريطانيا العفيفة الطاهرة بأنها دولة معتدية على حقوق الدول المسالمة - رجعنا من حيث بدأنا في سنة ١٨٨٢، أي أننا وقفنا وحدنا لنقول للعالم مرة أخرى، هذه دولة معتدية، لابد من رد اعتدائها ودفع عدوانها وبغيها بأي وسيلة تتاح لنا. فينبغي إذن أن ننذر بريطانيا إنذاراً لا رجعة فيها، بأن تسحب جنودها من كل بقعة كان يرفرف عليها علم مصر والسودان في سنة ١٨٨٢ دون نظر إلى معاهدات سابقة أو عرف جار، أو اتفاقات باطلة. فإذا فعلنا فقد نبذنا إليه على سواء، وأعذرنا أنفسنا أمام هذا العالم الجشع من الدول المستعمرة.

ونحن شعب لا طاقة له بحرب بريطانيا بالسلاح، لأنها ظلت خمساً وستين سنة تنزع من أيدينا كل سلاح، وتضعف جيشنا بكل أسلوب، وتحيط بنا من كل مكان، حتى لا نجد لأنفسنا منفذاً نستطيع أن نستجلب منه السلاح الحديث الذي يعيننا على حربها. هذا حق، ولكنه على وضوحه ليس بشيء، فإن الأمة التي تريد استقلالها وتحرص عليه لن تمنعها قلة السلاح من أن تفعل شيئاً كثيراً تستطيع به أن تنال ما تريد. وبريطانيا لن تستطيع أن تفني هذا الشعب المصري السوداني إذا هب لقتالها مجرداً من كل سلاح إلا سلاح العزيمة والتضحية وبذلك المهج وإرخاص النفوس والدماء في سبيل الوطن.

وبريطانيا ترى أن من مصلحتها أن يستقر السلام في هذا الشرق الأدنى، وهي تتخذ هذا حجة لبقائها في مصر والسودان وفلسطين والعراق، فينبغي أن نبحث عن الأسلوب الذي يفسد عليها هذا السلام الكاذب الذي تنتهك هي حرمته باحتلال أرض هذه الشعوب، والعالم العربي كله يعلم أن مصر والسودان هي قلب بلاده فإذا ظل هذا القلب ضعيفاً مأسوراً في قيود الاستعمار فالعالم العربي عاجز عن أن يفعل شيئاً في سبيل النهضة التي تجيش بها صدور أبنائه، وهو أيضاً عرضة للبقاء الطويل تحت نير الاستعباد الأوربي الفاجر المتعصب، وهو أيضاً لحم على وضم ينال منه كل طارئ وأفاق ما يشائ، ويصب عليه من ازدرائه واحتقاره ما تسول له نفسه الخبيثة، لأنه يعلم أنه قوى في حماية هذه الدول

<<  <  ج:
ص:  >  >>