ويبدو أن هذه الاجتماعات الكثيرة قد طويت في زمن قصير جداً، وكان يمكن توزيعها على سنوات معدودة لو أننا قارناها بعدد الاجتماعات في عصبة الأمم الماضية. ولعله يكون من المناسب ألا يفوتنا تعليل هذه الكثرة بالسياسة الملتوية التي تجري عليها هيئة الأمم المتحدة والتي لا تتسم بميزة الصراحة وحسن النية. . . ولقد اكتوت مصر - ومازالت - بسياسة المساومات والمصالح التي يجري عليها مجلس الأمن والتي تتطلب عادة وقتاً طويلا في أخذ ورد كما في البيع المعتاد ومهما كان الأمر فسنسجل على هيئة الأمم ما لاحظناه في عملها، ومقدار التطابق بين ما هو على الورق وما خرج إلى حيز التنفيذ، وسنرى التيارات المختلفة التي تسري الآن في أروقة هذه الهيئة، وهل هذه التيارات في جانب الميثاق أم أنها هادمة له؟
ولا يخفى أن الإيمان بميثاق هيئة الأمم قد خفت حدته وأصبح الكتَّاب يشبهونه بميثاق الأطلنطي الذي غرق في المحيط ومازال الغواصون يبحثون عنه في القاع حتى إن برناردشو الكاتب الأيرلندي الساخر قد لاحظ أن الرئيس روزفلت وهو المقترح للميثاق نسى أن يضع إمضاءه عليه!
ومن الواضح أن إيمان الشعوب بالميثاق هو القوة الحقيقية التي يرتكز عليها فإذا ما قبل هذا الإيمان ولو بمقدار ذرة نزلت حتما قيمة الميثاق مهما كانت عظمة ما فيه من مبادئ. . .
وستكون المسألة في نظر الشعوب عوداً لقصة عصبة الأمم التي دمغها المؤرخون بالفشل ونعتوها بالتهريج الدولي.
إن ميثاق الهيئة جميل جداً. . تقرأه فيحملك إلى عالم تتمتع فيه حقاً بحلاوة المعاني الإنسانية. . إنه يكرر دائماً في فقراته ما يؤكد في الذهن بأننا على وشك تحقيق أسرة عالمية حقة يسودها حكم القانون الدولي. . وهذا الميثاق كان حجة في يد أغلب الفقهاء الذين يعترفون بوجود قانون دولي وكان في الوقت نفسه ضربة قاصمة لمن أنكر ذلك منهم وعاش في تشاؤمه وشكه من وجود عالم دولي يكون أسرة واحدة لها قانون محتوم.
هذا الميثاق يعيبه أمر جوهري. فهو مازال على الورق لم ينتقل بروحه بعد إلى ميدان التطبيق. ولقد دل العمل على أن هناك بوناً شاسعاً بين المكتوب والمعمول به. وكل