للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الظواهر الدولية التي يلمسها القارئ حجة قوية في يده تؤيد ما نقول. . على أنه يهمنا كثيراً أن نبين علة وجود هذه الشقة أو الفارق الملموس الذي أشرنا إليه وقد تخلبنا بعض البوارق العارضة التي تبدو في المحيط الدولي. وهذه قصيرة العمر أشبه شيء بحبب الماء سرعان ما يتلاشى. . لذلك ستكون نظرتنا ممتدة إلى الماضي تصل به ما هو كائن في زماننا هذا. لأننا نعلم أن القصة الإنسانية بطيئة السرد تتشابه حوادثها. وقيلا ما تتغير. والتاريخ يعيد نفسه دائماً. . .

ولقد رأينا أن النقص ليس في الميثاق نفسه بل في تطبيقه والفشل في التطبيق نتيجة لوجود عاملين هامين يبرزان جلياً لكل من يتتبع أعمال هيئة الأمم المتحدة. وقد توجد عوامل ثانوية أخرى غير أنه لا شك أن تضارب المذاهب المختلفة في العالم وتفشي وباء عدم الاكتراث بين الدول هما أخطر الفواتك بالميثاق.

وإذا كان العامل الأول وهو تضارب المذاهب يبدو للقارئ جديداً في السياسة الدولية لم نألفه مثلا منذ ربع قرن! إلا أننا كما قلنا لا نقف أمام الأمور العارضة، ونرى بحق أن تضارب المذاهب من ديمقراطية وشيوعية وفاشية هو صورة جديدة لِما هو راسخ في التاريخ السياسي لسياسة توازن القوى منذ القرن السابع عشر. . . والمعروف أن سياسة توازن القوى برزت جلية في صورة شديدة الوضوح أثناء القرن التاسع عشر، وخاصة منذ هزيمة نابليون في واترلو. . إذ أن كل ما عقد بعد ذلك من مؤتمرات كان لتقسيم أوربا تقسيما روعي فيه إيجاد التوازن بين القوى المسيطرة على السياسة الأوربية حينذاك، ومما لا شك فيه أن إضعاف فرنسا كان نتيجة لهذه السياسة. . على أن هذا لا يهمنا تقريره بالقدر الكبير الذي نلاحظ به نتائج التمسك بهذه السياسة. والملاحظ أن سياسة التوازن أدت إلى حروب كثيرة في القرن التاسع عشر. كما أن هذه السياسة هي التي جرت إلى الحرب العالمية الأولى متخذة في أثناء ذلك كله صوراً مختلفة من سياسية إلى اقتصادية إلى اجتماعية. . وكانت صورتها الأخيرة في الحرب العالمية الثانية بارزة جلية في ناحيتها الاجتماعية من التضارب بين نظم الحكم المختلفة. . فترددت قوية كلمات الديمقراطية والنازية والشيوعية والفاشية والدكتاتورية.

ولقد قضى على أكثر هذه النظم كنتيجة محتومة لفوز غريماتها من النظم الأخرى ولم يبق

<<  <  ج:
ص:  >  >>