لغة السياسة، وليس لما قيل في هذا من قيمة إلا القيمة التاريخية، إذ لا يخفى أننا اليوم نقدر لكل علم مرتبته ومقامه وقد انتهينا في تقسيم العلوم وتقدير مراتبها إلى وضع جديد مغاير لما كان عليه السلفيون.
وبهذه المناسبة أذكر طريقة تاريخية ذكرها الشيخ الجبرتي في تاريخه، وهي أنه لما تولى على مصر أحمد باشا المعروف بكور قابله صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الأزهر والشيخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري، فتكلم معهم وناقشهم ثم باحثهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه العلوم، فنعجب، ثم قال: المسموع عندنا بالديار الرومية أن مصر منبع الفضائل والعلوم وكنت في غاية الشوق إلى المجيء إليها فلما جئتها وجدتها كما قيل: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه)، فقال له الشيخ الشبراوي: هي يا مولانا كما سمعتم معدن العلوم والمعارف؛ فقال: وأين هي وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم أجد عندكم شيئاً رغابة تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل، فقال الشيخ: إن غالب أهل الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم الفرائض والمواريث وعلم الحساب.
وبعد مناقشة طويلة بين الوالي والشيخ دله على والد الشيخ الجبرتي وكان متحققاً بالعلوم الرياضية فوجد الوالي عنده ضالته فقربه إليه وصار يأخذ عنه مسائل تلك العلوم؛ وكان يقول لم أغنم من مصر إلا اجتماعي بذلك الأستاذ؛ وكان الشيخ الشبراوي كلما تلاقى مع والد الجبرتي قال له (سترك الله كما سترتنا عند هذا الباشا فإنه لولا وجودك كنا جميعاً عنده حمير. فرحم الله الجميع)
إي والله هكذا ختم الجبرتي روايته بهذه العبارة. . .