من حسن الصياغة وجمال الديباجة وإجادة الرصف وإحكام النسج. ومن أعجب العجب أن يعاب الكاتب بهذه المزايا، كأن الركاكة وضعف الأسلوب من إمارات العبقرية والنبوغ! على أن الزيات يحلى أصالة الطبع ببراعة الصنعة، وهو في كتابته كالرجل الأنيق المعني بهندامه وزيه دون إسراف ولا تكلف؛ وقد أجمل العقاد نعته بقوله:(أنيق في غير بهرجة ولا فضول، بليغ في غير عسر ولا تكلف).
على أن تيمور أخذ هو أيضاً منذ سنوات يميل إلى التنميق اللفظي، وخاصة في هذا الكتاب (أبو الهول يطير) وهذا هو يقول في خطاب ولده في الفصل الذي وازنه الكاتب (الأمين) بمقال (ولدي):
(تهتاج بين جوانحي رغبة متقدة في الكتابة إليك، في مخاطبتك. . . في فك الإسار عن نفسي التي تتنزى في القيود والأصفاد! لقد أسكنت هذه النفس قمقما من قماقم (سليمان) وأحكمت سده بالرصاص، وقذفت به في قاع المحيط، هنالك تحت أعماق الماء، حيث يتكدس الظلام والصمت طبقات فوق طبقات) فترى الصنعة بادية في هذا الكلام، وهي جديرة ان تعد من عناصر الجمال الفني فيه، فهل معنى ذلك أن تيمور أديب مصنوع؟
إني لا أناقش هذا (الأمين) وهو لم يأت بدليل يناقش ولا حجة تدفع، ولكني كنت مدرساً، وأراني، في هذا الوطن قد غلبت عليَّ طبيعة المدرس، فجنحت إلى الشرح وإيراد المثال.
يا بني، إني آتيك بشيء من مقال (ولدي) فاسمع:
(كنت في طريق الحياة كالشارد الهيمان، أنشد الراحة ولا أجد الأنس، وأكسب المال ولا أجد السعادة، وأعالج العيش ولا أدرك الغاية! كنت كالصوت الأصم لا تُرجِّمه صدى وكالروح الحائر لا يقره هدى، وكالمعنى المبهم لا يحدده خاطر! كنت كالآلة نتجتها آلة واستهلكها عمل، فهي تخدم غيرها بالتسخير، وتميت نفسها بالدءوب، ولا تحفز نوعها بالولادة؛ فكان يصلني بالماضي أبي، ويمسكني بالحاضر أجلي، ثم لا يربطني بالمستقبل رابط من أمل أو ولدن فلما جاء (رجاء) وجدتني أولد فيه من جديد).
فهل رأيت يا بني أبلغ من هذا في التعبير عن حال رجل قلق حائر ينشد تجديد حياته بولد؟
وهاك أثر الفجيعة في الأديب (المصنوع):
(إن قلبي ينزف من عيني عبرات بعضها صامت وبعضها معول! فهل لبيان الدمع