للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مرة؟ وجواب ذلك أن تذليل هذه العقبة ليس في طوق الكتاب ولا هو من واجبه، وإنما هو عمل الممثل وأخص واجباته. وهل يكون الوهم المسرحي بالغاً كماله إلا إذا أنساك ما تعلم وشغل فكرك بما ترى؟

كذلك نستنتج من التعريف أن الحوادث المتعارضة كلما كانت مسافة الخلف بينها بعيدة، ومناقضة بعضها لبعض شديدة، كان شأنها أهم وجاذبيتها أقوى، وذلك حق لا جدال فيه، فان حوادث العمل إذا تتابعت طائفة منها مفرطة في الحزن، وأخرى مفرطة في السرور، كان حلها أمتع وألذ مما لو سارت ضعيفة في جهة وقوية في أخرى، أضرب لك مثلا برواية بُوليُكت لكورني: لو أن كورني جعل (بولين) مشغوفة الفؤاد بحب زوجها لكانت المشكلة أعقد وأصعب، وموقف بولين أقسى وأرهب، ولكن كورني جعلها عاشقة (لسفير) ففضل جاذبية الإعجاب على جاذبية الإرهاب، وأطاع عبقريته في هذه القطعة فحرك الدهش وسكّن الفجيعة.

وليس تعاقب الحزن والسرور والخوف والرجاء من خواص المأساة، وإنما يكون في الملهاة أيضاً، فان جاذبيتها لا تتم إلا بشيئين: أولهما أن تجعل المشاهد يتمنى أن يؤول أمر الأضحوكة إلى السخرية والاحتقار، ثانيهما أن تولد في نفسه القلق والفضول والرغبة في أن يرى هذه الأمنية كيف تتحقق. ففي رواية البخيل يدور في نفس المشاهد هذا السؤال: أيتزوج البخيل من مريان أم يتخلى عنها لابنه؟ وفي رواية ترتوف أو الشيخ متلوف تترد على خاطره هذه المشكلة: أيفتضح أمر ترتوف عند أُرجون ويبوء باللعنة والخزى أم يتمتع بثمرة حبه وخبثه؟ على أن الحزن في الملهاة يجب ألا يتعدى أشخاص الرواية إلى جمهرة المشاهدينفان ذلك ميزة المأساة. ومن حق النظارة عليك أن تسرهم على حساب أشخاصك فتضحكهم من بكائهم وتسعدهم بشقائهم. وسيمر بك تفصيل ما أجمله التعريف من صفات العمل وتحليله فنجتزئ الآن بذلك.

يتبع

(الزيات)

<<  <  ج:
ص:  >  >>