للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الروائي فيخاطب الخيال والحس، ويملأ البصر والسمع، فيكون فعله أقوى وأثره أشد، أرأيتك إذا قرأت أو سمعت حادثة قتل مثلا، فهل يبلغ أثرها منك مهما عظم واشتد ما يبلغه ذلك الأثر الذي يستولي على نفسك وحسك حين تسمع استغاثة المذبوح، وترى انسكاب الدم المسفوح؟ لذلك كان حقاً على الكتاب أن يتوسلوا بهذه الوسيلة الناجعة إلى إقرار الخير في النفوس، واقتلاع الشر من الرءوس، وتغذية القلوب المريضة بالعواطف النبيلة بتصوير مُثلها العليا كما في المأساة، أو إلى إصلاح الفاسد وتقويم المعوج من العادات والأخلاق باتخاذ أهلها مضحكة للناس كما في الملهاة. أما تلك القطع الداعرة التي يلفقها ضعاف الكتاب، ويمثلها صغار الفرق، تمليقاً للشهوة وتصيُّداً للمال، فهي من عمل الزور وتجارة المحظور وإذاعة الفاحشة، وهي لا تجد مكانها إلا في الشعوب البهيمية الجافية التي لم يثقفها علم ولم تهذبها حضارة، فواجب النقد الأدبي يعن مهاجمة هذا الخطر، فان ضرره لا ينال الخلق وحده، وإنما ينال الأدب والذوق والفن جميعاً.

العمل الروائي

العمل الروائي هو الفعل الذي يجري على المسرح من قيام وقعود وحركة وسكون. وبعبارة أدق هو العراك الناشب بين الوسائل والحوائل التي تتنازع حادثا من الحوادث، فالأولى تعمل لوقوعه، والأخرى تعمل لمنع أو إنتاج ضده.

فمن هذا التعريف نستنتج أن العمل لابد أن يكون مريباً غير مؤكد، ثم لا يزال في عماية من الشك وغيابه من الظن حتى آخر الرواية، لأن عقدة العمل إذا لم يكن لها إلا محل واحد يدل عليه المنطق، ويتنبأ به المشاهد، فقد المداورة، وهي تحول ذهن الشاهد من الضد إلى الضد تبعاً لتصرف الأشخاص وتقلب الظروف، فتارة يقدر النتيجة على نحو معين، وتارة يقدرها على نحو آخر، وهكذا دواليك حتى ينتهي العمل، وربما انتهى على غير ما فكر وقدر. فالتباس العمل هو الذي يوجد هذه المداورة ويفرض كثيراً من الحلول، ويف المشاهد بين الخوف والرجاء، وعلى ذلك كله يقوم أساس التشويق والجاذبية، ولكن ماذا عسى يصنع الكاتب لو كان للعمل حلان ممكنان فسبقه ذكاء المشاهدين إليهما، ووقف قبل النهاية عليهما؟ أو لو كانت روايته على ما يريد الفن، ولكنها مثلت غير مرة، فعرف الناس كيف تتعقد وكيف تتحلل، إلا يكون معنى ذلك أن إبهام العمل لا يفيد المشاهد ولا يجذبه إلا أول

<<  <  ج:
ص:  >  >>