وقد اعتمد لطفي باشا في نقل كتاب السياسة، كما اعتقد في نقل الكتابين الآخرين، على ترجمة (بارتلمي سانتهيلير) أستاذ الفلسفة في (كوليج دي فرانس) ووزير الخارجية الفرنسية في وقت من الأوقات، واعتمد كذلك على مقدمته فنقلها بجملتها ولم يشأ أن يضيف شيئاً إليها من عنده، وهي في اعتقادنا تستدعي الإضافة إليها لسببين: أحدهما أن (سانتهيلير) قد ذكر في مقدمته أن رجل الفكر لا يتجرد كل التجرد من أحوال زمانه وبيئة قومه، وكان هو نفسه مصداقاً ظاهراً لصحة هذا الرأي الذي لا شك فيه، فكان فرنسيا قبل كل شيء في تدليله وإدلاله بقسط الأمة الفرنسية من ترقية المعارف السياسية والنظم الحكومية. مع أنه قنع بالقليل من حْوادث عصر أرسطو التي لها مساس بشخصه وتوجيه ذهنه وشعوره، فلم يذكر منها الكثير الذي لا غنى للقارئ عن ذكره في هذا المقام.
والسبب الثاني الذي كان يطمعنا في مقدمة للكتاب بقلم علامتنا الجليل أن العربية لها كلمة تقال في فلسفة أرسطو على الإجمال، لأنها شغلت العرب زماناً طويلا وشغلوا بها أبناء الأمم الأخرى زماناً أطول. وليس أحق من لطفي باشا بأن يقول هذه الكلمة، وهي يحيي عهد أرسطو في الشرق العربي من جديد، ويتكلم باسم جامعة مصر التي تولاها في صباها، وباسم النهضة الفكرية التي سايرها منذ نشأتها الأولى.
ويبدو لنا أن الأستاذ الجليل قد حرص غاية الحرص على نصوص الترجمة الفرنسية، فأتى بها حرفاً حرفاً وكلمة كلمة في تركيب أسلوبها وترتيب جملها، ولم يسوغ لنفسه أن ينقل الكلمات والمعاني إلى الأسلوب المعهود في كلام العرب، محافظة منه على الأصل الفرنسي في لفظه ومعناه.
مثال ذلك قوله:(وعنده أن كائناً لا يخصص إلا لغرض واحد. لأن الأدوات تكون أكمل كلما صلحت لا لاستعمالات متعددة، بل لاستعمال واحد. وعند المتوحشين المرأة والعبد هما كائنان من طبقة واحدة. والسبب في ذلك بسيط، وهو أن الطبع لم يجعل بينهم ألبتة من كائن للأمرة. فليس فيهم حقاً إلا من عبد ومن أمة. ولم ينخدع الشعراء إذ يقولون: أجل للإغريقي على المتوحش حق الأمرة. . .).
ومثال قوله في المقدمة:(فقد استطاع أن يجد بين تخالف الخلق الأدبي للناس وبين تخالف أنواع الحكومات المشابهات الأظهر ما يكون والأحق ما يكون. . .).