والوزراء في صفنا، يحملون ما حملنا، وينالهم ما نلنا، فذكرنا، وقد طالما نسينا، أنهم إخواننا، وأنهم منا.
ولبثنا من ذلك اليوم، نرى الأدلة متتابعة متتالية، على أننا قد استقللنا، ونزح العدو عنا، وجلا عن أرضنا، وصار حكامنا منا، لا أقول إن الحكومات قد صلحت حتى ما نجد لها فساداً ولا نلقي منها ضرراً، كلا، ولا خلص رجالها من أوضار هذا الماضي، ولا أزالوا آثاره، ولا يمكن أن تزول في أربع سنين وقد لبث الغاصبون وأعوانهم، يثبتونها ويبنونها، دائبين على بنائها عاملين على تثبيتها، خمساً وعشرين سنة، ولكن أقول، أننا (أخذنا) ننزع من نفوسنا تلك الصورة السوداء للحكومة ونغسل عنها صبغة العداوة التي كنا نراها مصبوغة بها، ونعيد إلى إفهامنا توقير الأنظمة والقوانين، لأنها (بدأت) تصير من صنع أيدينا، و (شرع) واضعوها يفكرون في وضعها لمنفعتنا، وضمان مصلحتنا، لا لمنفعة الوزراء الحاكمين، ولا لمصلحة الغرباء الغاصبين
ثم تتالت الآيات والدلائل، وكانت جامعة دول العرب، وكانت المقاطعة القانونية للصهيونيين، وكان اجتماع ملوك العرب ورؤسائهم، وكان رحلة النقراشي إلى أمريكا، وقوله فيها ما أجمعت الكلمة على أنه لا يقول أكثر منه خطيب متحمس، ولا مؤرخ حكيم، ووجد فيه كل مصري ترجماناً عن أفكاره، ومعبراً عن مقاصده، وكان موقف فارس الخوري من قضية مصر، موقفاً سر كل عربي في الدنيا، وكان فتنة سورية الكبرى، وكان رأي الحاكمين في الشام والمحكومين جميعاً، ورأي الدول العربية كلها (إلا مملكة الأردن) واحداً فيها، ثم كان هذا الحادث العظيم الذي عقدت له هذا المقال، والذي سيعقد عليه في تاريخ العرب، فصل مترع بالفضائل والأمجاد، والذي سيكون مولد (الشرق الجديد) كما كانت هذه الحرب الماضية مصرع (العرب العتيق). . . والأيام دول والدهر ميزان، فما ترجح كفة إلا لتطيش، وما يرتفع طائر إلا ليهبط ولقد أشرقت من الشرق شمس الحضارة، من مصر وبابل والشام، ثم مالت إلى الغرب، إلى يونان وروما، ثم عادت تطلع من الشرق مرة ثانية، من المدينة ودمشق وبغداد والقاهرة، ثم مالت إلى باريس وبرلين ولندن، وهذا يوم ثالث، قد أوشكت أن تشرق شمسه على هذا الشرق، فينفض عنه غبار المنام، ويهب. . . لقد انقضى الليل، وأذن المؤذن من ذرى لبنان. . . من اللجنة السياسية للدول العربية،