التي قرر فيها رجال مسؤولون، لا أدباء متحمسون، وأعلنوا بلسان حكوماتهم، إنهم سيحلون عقدة فلسطين ومصر، كما حل الإسكندر عقدته المشهورة: بالسيف!
هذا هو الحادث العظيم، وقد قرأ القراء تفصيله في الصحف فما أعيده عليهم. . . وهذا أول الجد، وهذا الذي كنا نتمنى بعضه فلا نصل إليه، ونطلبه فلا نجده، وهذا الدليل على أننا استقللنا، وعلى أن حكوماتنا منا وإلينا، وأنها تنطق بألسنتنا، وأن هواها هوانا، وأنه لم يبق في رجالها من يصانع عدواً، أو يخافه، أو يتزلف إليه. وأن جيوشنا لنا، تسالم من سالمنا، وتعادي من عادينا، وتذود عن بلادنا، وكل بلد عربي بلد العرب كلهم، وكل عدو له عدو لهم، وكل قضية له قضية لهم.
إننا نغفر لحكوماتنا، بهذا الموقف، كل ما لقينا منها في السنين الخوالي، ونعده إسلاماً منها بعد كفر، والإسلام يحب ما قبله، فليحسن إسلامها، ولا يكن كلمة تقال باللسان: إنها قد أعلنت الحرب في الخارج، فلتعلنها في الداخل، لتمنع المدد عن عدوها، فما في الدنيا عاقل يحارب عدواً ويدفع إليه ما له ليقويه به على نفسه، وولده ليربيه على كرهه، ولتبحث عن الثغور التي تذهب منها أموالنا إليهم، فتسدها. بالمقاطعة الاقتصادية، لا بإلقاء المواعظ للترغيب فيها، والخطب للحث عليها، لا، فهذا كلام فارغ، ولكن بالقوانين الصارمة، والعقوبات الشديدة، كما حرمت معاملة الصهيونيين بقانون، وحدت لها الحدود الرادعة، والعقوبات المانعة.
وبذلك ترتقي صناعتنا، وتجود أخلاقنا، لأننا سنضع ما نستطيع صنعه مما نفقده بالمقاطعة، ونصبر عن باقيه، وقد صبرنا مدة الحرب عن كثير من الضروري، وتصبر إنكلترا اليوم عن الخبر المشبع في سبيل وطنها، ولا تقول شيئاً، فهلا في مثل هذا قلدناها؟
على أن في بلادنا (أعني في بلاد العرب) كل ضروري، ولا نفقد بهذه المقاطعة إلا قليلا من وسائل الترف، مما يضر ولا ينفع.
ولتضع الحكومات العربية القوانين الصريحة بإغلاق كل مدرسة أجنبية، إنكليزية أو فرنسية أو أمريكية، وإلا ذهب عملنا هباء، وكان عبثا، وأخرجت هذه المدارس من أبنائنا أعداء لنا، وأعواناً لعدونا، كما وقع في الشام، حين تولى ضرب دمشق رجل عربي أبوه شيخ، اسمه علاء الدين الإمام، عليه لعنة الله.