وإني أميل بعد ذلك إلى أن أقرر أن أعظم تغيير أحدثته الثقافة الإسلامية، بعد ذلك التغيير الهائل، وهو دخول هذا العدد العظيم من الهند في دين التوحيد، إنما هو ما طرأ على الهند من الميل إلى تذوق التاريخ.
فإن هذا العلم لم يصادف هوى في قلوب الهنود من قبل، إذ كان يعتبر أمراً مادياً صرفا في نظر قوم مفكرين وفلاسفة بالسليقة. وهذا هو السبب في أن التاريخ الهندي القديم قد جمع بصعوبة عظيمة، وكان الاعتماد في جمعه على ما عثر عليه من السكة والتماثيل، دون أن يكون هناك بجانب هذه الأشياء مخلفات كتابية.
ولا تزال التواريخ بل القرون التي ظهر فيها بعض الحكام الأولين موضع جدل ومناقشة. فلما ظهرت الهند الإسلامية، دبت الحماسة في قلوب الناس فجأة نحو كتابة التاريخ، وكان من نتيجة ذلك أن دونت مع التوسع أخبار جميع ملوك دلهي ابتداء من القرن الثالث عشر.
وينبغي أن لا يفوتني هنا أن أذكر إدخال الحروف الهجائية العربية في الهند، وانتشار الكتابة بين الناس على العموم، في بلد كان كلما يتعلق بالعلم والكتابة فيه محصوراً في أيدي البراهمة.
أواسط آسيا وبلاد فارس:
مهما أطنبنا في وصف الأثر الذي تركه تعلم اللغة العربية في عقول سكان أواسط آسيا والهند، فلن يعد ذلك منا إسرافا أو مبالغة، فإن الأثر الذي تركته العربية في عقول الأتراك والفرس، ومسلمي الهند، كان أجل شأنا وأعظم خطراً من الأثر الذي تركته اللاتينية في عقول الأدباء من أهل أوربا في العصور الوسطى.
فمع أن اللاتينية كانت الواسطة للكتابات الدينية والعلمية، لم يكن هناك ميزة أخرى من ورائها سوى تلك المهارة الأدبية التي كان يتصف بها كل من ثقفها. إذ كان قبل حركة الأحياء الكاثوليكية بزمن طويل، نصف سكان أوربا ينظمون الشعر ويتغنون به، كما أن بعض اللغات كانت قد اتخذت فعلا شكلا محدوداً، واصطبغت بصبغة البيئة التي وجدت فيها.
ولم يكن الأمر كذلك في العربية، فان العربية قد أمدت المستنيرين في أواسط آسيا بثقافة