تعتبر جديدة من جميع الوجوه. وبثت في قلوب هؤلاء أفكارا طريفة، وفتحت أمام أعينهم عوالم جديدة، وبعبارة أخرى، فان العربية أمدت الفرس والأتراك والهنود (بلغة جديدة) ولا غرابة في ذلك، فانه بالقضاء على الديانات القديمة قضاء ظاهراً، وبحلول العربية محل اللغات القديمة في المسائل الأدبية، ثم باستبدال الثقافة الإسلامية بكل ما يرجع في أصله إلى الثقافة الآرية، كل أولئك يحملنا على القول بأن العربيةأمدت بلاد فارس بخزائن جديدة من العلم، إلى جانب لغة مكتوبة منظمة. أو قل أمدت الفرس (ببعث قومي جديد مع ثقافة حديثة) وكل ذلك في وقت واحد، فلقد أتحفت العربية أواسط آسيا بالشعر العربي الذي غيّر وجه الشعر هناك، ثم بالفلسفة اليونانية، وغيرها من العلوم.
ونستطيع أن نقول أن المجوسية لم يكن لها الا معنى ضئيل في عقول معظم الرعايا الساسانيين، وكان لا يفهمها الا طائفة الكهنة، بينما كانت لغة الكتب المقدسة وهي الفهلوية لا يكاد يفهمها إلا رجال الدين، وطائفة الموظفين الرسميين.
فمن السهل أيضاً أن نتصور الأثر المباشر الذي أحدثته العقائد الإسلامية في الفرس، بله الروعة والدهشة للتي تركهما في نفوسهم ذلك الكتاب المقدس الذي نزل بلسان سهل مبين.
هذا وينبغي أن لا ننسى أنه في الأيام الأولى قبل إدخال الشكل، وخلو العربية من الحروف التي تعين الساكن والمتحرك لم يكن من السهل قراءة اللغة العربية، ولكن العربية كانت على أي حال أسهل من الفهلوية، إذ كان نظام هذه الأخيرة في الكتابة أصعب نظام عرف حتى ذلك الوقت. ولكن حينما ظهرت مدارس النحو في الكوفة والبصرة، أصبح من السهل ضبط العربية واستيعابها.
وهذا البحث يؤدي بنا إلى الهجاء العربي، وإلى فن الإملاء، ذلك الفن الذي كان حتى ذلك الوقت مجهولا تمام الجهل في فارس والهند.
أحس الناس وعلى الخصوص غير العرب منهم فضلا عن الزهو الذي داخل نفوسهم بتعلم اللغة العربية، سرورا وميلا عظيما نحو تلك الحروف المرنة السهلة وهي الحروف الهجائية العربية. ولقد كان لهذه الحروف في نفوسهم مثل ما للصور من الجمال الفني ولا سيما إذا نقشت على ظاهر المباني، أو إذا حفرت على الأضرحة والمقابر سواء ما كان منها ثلثاً أو كوفياً أو نسخاً.