مجلس الأمن قراره بوقف القتال ولكن هولندا لم تذعن للمرة الأولى. فأصدر قراراً ثانياً. ولكن هيهات وما زال العالم ينتظر قراره الثالث. فما أبخسها من أوامر
ومهما كان الرأي فلن تكون سياسة التهاون وعدم الاكتراث هذه هي الأولى أو الأخيرة في نوعها. بل إن سوابقها جلية في عصبة الأمم السابقة. إذ أن إيطاليا قد ضربت عرض الحائط بميثاق العصبة واعتدت على أثيوبيا أشنع اعتداء وكان اعتداؤها بمثابة مسمار يدق في نعش العصبة التي تهاون أعضاؤها بدورهم في تطبيق الجزاءات الاقتصادية والسياسية المنصوص عليها.
ولقد انسحبت إيطاليا وألمانيا إثر ذلك وكونتا ما سمى في الحرب الأخيرة بدول المحور.
إننا نخشى أن يعاد تمثيل هذه المهزلة مرة أخرى فتنسحب بعض الدول من هيئة الأمم لسببين لا ثالث لهما: إما أن تكون دولا قوية تحس بأن الميثاق قيد يحد من أطماعها وهو لا يعدو أن يكون قيداً معنوياً ليس له القوة المادية التي تحسب لها ألف حساب.
فلم لا تفلت إذن من هذا القيد الأجوف الواهي؟. ولم لا تحطمه إن أبدى مقاومة؟
وإما أن تكون دولا ضعيفة خاب ظنها في عالم سعيد بجانب الميثاق فلم تجد بجانبه أمناً أو استقراراً بل أصابها ظلم وجور. . فأرادت أن تنطوي على نفسها وأن تعيش في عالمها وحدها كمن ينأى بنفسه عن جيرة السوء وصحبة الأشرار.
ولقد تردد في بعض الآونة أن مصر تريد أن تنسحب من الهيئة إن لم تقدر مطالبها حق قدرها. . وحق الانسحاب لم يمنع منعاً باتاً بل صار في ميثاق الهيئة (رخصة) لا تستعمل إلا في حدود معينة وعند قيام المسوغ لذلك، وقد كان هذا الحق مطلقاً كل الإطلاق في عصبة الأمم ومن مسوغات حق الانسحاب التي أوضحها مؤتمر سان فرنسيسكو ما يلي.
(إنه إذا أحست دولة من الدول في ظروف استثنائية ألا مناص لها من الانسحاب وإلقاء عبء حفظ السلم والأمن الدولي على عاتق الأعضاء الآخرين فليس مما يدخل في أغراض الهيئة أن ترغم مثل هذه الدولة على الاستمرار في هذا التعاون في داخل الهيئة ومن البديهي أنه لا مناص من انسحاب الدول بعضها إثر بعض أو من حل الهيئة بأية صورة أخرى إذا هي انتهى أمرها بأن خيبت آمال الإنسانية بأن تكون قد عجزت عن حفظ السلام أو بأن كان حفظها للسلام على حساب القانون والعدل).