القطار لبلدته، وله نوادر كثيرة أمثال ذلك من المشي على القدمين بعيدة، والمبيت على الطوى في كل غدوة وروحة بين القاهرة وبلدته.
وبعد أن قضى سبع سنوات بالأزهر مجداً في طلب العلم ومباحثة الشيوخ، عاد إلى بلدته ومكث بها نحو سنتين مشتغلاً بحفظ الشعر ونظمه، ولم يكن له بالأزهر كبير عناية به لانصرافه إلى تحصيل العلوم، ثم حضر إلى القاهرة، ودخل مدرسة دار العلوم سنة ١٢٩٨ فأعاد بها معظم العلوم العربية مع الجزء الأول من تاريخ ابن خلدون المشهور بالمقدمة على الشيخ حسين المرصفي، ثم خلفه في تدريس اللغة العربية شيخنا الشيخ حسن الطويل فتلقى عنه بعض المثل السائر، ورسالة ابن زيدون الهجوية، والزوراء للجلال الدوّاني في الحكمة، وانتفع به كثيراً، وقال فيه وفي الأستاذ المرصفي:
دار العلوم شكت فراق أبي الهدى ... المرصفي الحبر أو حد ذا الزَمنْ
فأجبتها حَسن المعارف بعده ... لا تجزعي إن الحسين أخو الحسن
وتلقى التفسير والحديث بالمدرسة عن الشيخ احمد شرف الدين المرصفّي، والفقه الحنفي عن الشيخ حسونة النواوي، والعلوم الطبيعية والرياضية على أساتذة آخرين بالمدرسة، ثم خرج منها بعد أن نال الشهادة الدالة على براعته سنة ١٣٠٢، فقال بعد مفارقته المدرسة مضّمناً:
دار العلوم نثرتِ نظم أحبة ... كانوا بدوراً في سماء علاك
حتى بَلى عهدي بهم وتغيروا ... يا دار غّيرك البلى ومحاك
واشتغل بعد خروجه من المدرسة بالكتابة في صحف الأخبار كالأعلام والقاهرة، وبالتدريس لبعض أناس منهم السيد توفيق البكري، ولما اتصل به حسّن له خلع العمامة والجبة وإبدالهما بالملابس الإفرنجية، والطربوش، ثم فارقه واستُخدم كاتباً بمحكمة بني سويف الأهلية نحو عشرة أشهر، ثم انفصل وورد القاهرة فكتب في المؤيد أياماً قليلة، ثم امتحن للدخول بمدرسة دار العلوم مدرساً للإنشاء فحاز قصب السبق وعاد للعمامة والجبة، وأقام بها تسع سنين انتفع فيها الطلبة وتخرّج عليه كثيرون ممن يحسنون الكتابة الآن. ثم نقلوه بعد ذلك مدرساً للنحو بالمدارس الابتدائية في الأقاليم، فحطوا من درجته إلا أنهم أبقوا له مرتبه، وكان أخيراً بمدرسة بني سويف ومرض بها فأحيل على المعاش واختار السكنى