ولم تنجح الرواية لقوة موضوعها وكفاءة ممثليها بقدر ما نجحت لأن امرأة شقية كانت تقوم بدور بطلة الرواية.
ووفقت في أداء دورنها توفيقاً كاد يرقى إلى مستوى الإعجاز ولم تكن (سميرة) من الممثلات البارزات فقد قضت في دنيا المسرح أكثر من خمس سنوات وفي العام الأخير فقط بدأ المخرج يثق فيها بعض الشيء ويسند إليها بعض الأدوار الهامة.
ولكن سميرة في تلك الليلة التي قامت فيها بدور البطولة في رواية (المنبود) لم تكن نفس الممثلة التي عرفها رجال المسرح أو رواده خلال خمس سنوات! من كان يصدق أن المرأة التي مثلت دور (نبيلة) هي نفسها ذات المرأة المحتشمة الصموت التي ألف الكل رؤيتها في أوقات فراغها منتحية ركنا قصيا تدخن سيجارتها في وحدة وهدوء. أجل، لم يكن هناك من يصدق أن تنقلب سميرة التي يعرف الكل مستوى تمثيلها إلى شعلة من نار تعدى كل من اشترك معها في التمثيل بالحرارة واللهب. . لقد كانت بمثابة القلب الحار الجياش بالدم الذي يمد بقية الجسم بالوقود اللازم للحركة والحياة.
والسر في ذلك لم تكن تعرفه إلا سميرة وحدها، إنها لم تمثل في تلك الليلة دورا على خشبة المسرح، بل كانت تعيش، كانت تحترق. وانتهت الرواية وأسدل الستار، وانسلت سميرة إلى غرفتها لتستريح ولم تمض دقائق حتى أندفع المؤلف إلى غرفتها وأحتضنها في حرارة وقبلها مهنئاً فراعه برودة شفتيها وشدة اضطرابها، وبعد لحظات أقبل مدير الفرقة وهو يصيح في طرب:
- إني أهنئ كل منكما بالآخر. . إن روايتك يا أستاذ لن تعيش إلا مقترنة باسم سميرة، وسميرة لم ترتق إلى هذا المستوى العالي إلى على أجنحة روايتك. . ونظر إليها في غبطة فأذهله شحوب وجهها وما ينطق به من ألم. . .
أما سميرة نفسها فقد كانت في دنيا أخرى، كانت ذاهلة عن نجاحها وعن كلمات الإعجاب والتقدير التي تنهال عليها، وعن حفاوة الجمهور ومقدار تأثره. ولقد بذلت كل ما في طاقتها لإخفاء ما بها عمن حولها ففشلت، وحملوها إلى دارها وهي ترتعش كالمحموم.
وفي الصباح لم تقو على مبارحة فراشها. . وأرسلت تستدعي طبيباً
وفحصها الطبيب فحصاً دقيقاً ولكه لم يستطع أن يهتدي إلى علة يعزى إليها شحوبها