كانت حوادث الرواية تدور حول فتاة جنت عليها سذاجتها وطيبة قلبها، ظنت أن الشباب طريقا مفروشاً بالورد ولكنها لم تكن قد أدركت بعد أن الشوك يوجد دائماً حيث يكون الورد بألوانه الفاتنة المغرية. وأسلمها العبير فأغمضت عينيها واستسلمت للأحلام. . فجرفها التيار - وأفاقت فجأة لتجد أن ثمرة الغواية تنبض في أحشائها، وطاف بخيالها شبح الفتيات اللواتي يتخلص منهن ذويهن ذبحا واغتيالا فكانت صدمة هائلة لم تستطع بعدها ملاقاة أهلها فهامت على وجهها وذاقت صنوفاً من التشرد وعرفت ألواناً من الهوان. وفي دنيا المسرح ألقت عصا التسيار لتكسب قوتها بعرق جبينها. . . وأيقنت في قرارة نفسها أن تلك هي خاتمة المطاف: إنها ستظل تمثل وترقص وتعيش حياة الليل الآثمة حتى تنقضي أيامها
لقد أيقنت بعد التجارب المرة أن الرجال ذئاب وأنهم لا يرون فيها إلا متعة ساعة وسلعه يتداولها كل من يستطيع أن يدفع الثمن فعافتهم نفسها وكرهت جسدها الحار المغري الذي كان يجذبهم نحوها فتمنحه لهم كارهة وقبلها يفيض بالعبودية والهوان - وكانت نفسها تتلوى ألماً وحزناً ولا تجد من تستطيع أن تفضي إليه ببعض ما تحس. إن المجتمع لا يفرق، بل يدمغهن جميعاً بوصمة العار ويحكم عليهن بأن يعشن منبوذات شريدات طعمة للعار والنار. . . ولا يلاحقهن - في منفاهن - إلا طلاب المتعة العابرة، والأرقاء الذين يبيعون العمر وينفقون ثمنه في سوق الشهوات. . . وبرغم ذلك لم تيأس ولم تستنزف أوصابها كل ما في قلبها من طيبة وسذاجة بل كانت تتألم في صمت وتحلم في سكون بالحياة الهانئة الوادعة وعاشت على الأمل ومنه كانت تلتمس العزاء وتروي ينبوع الأحلام في قلبها.
ولم تكذب الأيام ظنها، فقد ساقت إليها يوماً شاباً من أولئك الذين لا يؤمنون بقوانين المجتمع ولا يعبئون كثيراً بعرفه وتقاليده واستطاع أن يستشف من وراء حياتها الصاخبة الصارخة الألوان صفاء قلبها الذي طهرته الآلام ووجد فيها المرأة التي يبحث عنا من زمن فاصطفاها لنفسه وحررها من بيئتها وماضيها وعاش معها كأسعد ما يكون إلفان، ضاربا عرض الحائط بسخط أهله ونقمة عشيرته وعارفيه. . . وأثبتت هي للجميع أن السماء لا توصد أبوابها في وجه تائب مهما اقترف من رذائل وشرور وأن كل آثام الأيام لا تستطيع