للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وانظروا هذا الوباء المروع، الذي أفزعكم وصدع خوفه قلوبكم، من أين جاءكم؟ تقولون: من الهند. . . نعم، ولكن ما جاء به حاج هندي، ولا تاجر ولا سائح، ما جاء به إلا هؤلاء الإنكليز، إنه لا يأتي منهم إلا الكوليرا، والصهيونية، وسورية الكبرى، فاعتبرا، وصدقوا، وانفضوا أيديكم منهم ومن مدارسهم، ومن بضاعتهم، إن الوباء الذي تنشره المدرستان الإنكليزيتان بجوارنا في الروضة، لا يقل عن هذا الوباء الذي تنشره معسكراتهم بجوار القنال، بل ربما كان شراً منه، لأن ذاك يقتل الأجساد، وهذا يفتك بالأرواح، ويعصف بما فيها من خيرات، ويذهب بما تنطوي عليه من حب لمصر وللعروبة وللاستقلال، ويجعل من أبنائها أعداء لها، فقاطعوا كل شيء إنكليزي، وأقيموا دونه سداً منيعاً، كهذا السد الذي تقيمونه دون (الكوليرا الإنكليزية)، وقفوا عليه الحراس الشداد، معهم الأسلحة المواضي، فلا ينفذ منه شيء إنكليزي قط، لا رجل ولا كتاب ولا فكرة ولا بضاعة ولا كوليرا ولا صهيونية ولا سورية الكبرى. . .

وبعد، فلا يبلغ بكم الجزع، فالخطب إن شاء الله يسير، والسلامة قريبة، والمرض زائل، وما أخشى على مصر المرض ولكن أخشى أن تنقشع السحابة، ويعود الصفاء، فننسى أن في مصر ملايين لم تصل إليهم هذه الحضارة، ولم يستمتعوا بشيء من متعها، ولم يصبهم من خير مصر إلا الأقل، وخيرها يصيب كل أجنبي عن مصر، آكِل لخيراتها كاره لها، مزدر لأهلها، وإن لهؤلاء حقاً صريحاً، حقاً أقرته الأديان والشرائع كلها، والإنسانية، وقواعد العدالة: هو أن يكونوا أصحاء الأجسام، متعلمين ما يفهمون به الخير من الشر، واجدين من المال ما يشترون به ضروريات الحياة. وننسى أن الله خلق الناس إخواناً، فلم يخلق بعضهم عبيداً لبعض، وأن عمرو بن العاص، أبطل العبودية من مصر وألغى (نظام الطبقات)، وسوْى بين الناس، في العهد الذي نسميه جهلا وغفلة عهد (القرون الوسطى)، وأنه من العار على الإنسانية وعلى الحضارة، وعلى مصر، أن تعود إليه مصر في (قرن العشرين).

وأن ننسى أن الإنكليز هم جاءونا بالوباء، وأنه لا يأتي منهم إلا هذا. . وأخشى أن نعود إلى معاملتهم وتحسين الظن بهم وبحضارتهم وأن لا نقطع على أنفسنا عهداً جازماً، مقسمين بقبور إخواننا هؤلاء الذين قضوا شهداء (الكوليرا الإنكليزية)، وبدماء شهدائنا الذين سقطوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>