للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهي مهشمة لقدم العهد

ذكرها وأخبارها: كانت كلواذي ملتقى الفساق ومأوى العشاق، يجتمع فيها أرباب التهتك والدعارة يعقدون فيها مجالسهم بين رياضها وعلى حفافي أنهارها، يشربون ويفجرون، يقيمون فيها الشهور بين الدنان والقيان والمعازف، مقيمين على إطاعة إبليس في هتك ستر المعاصي واقتراف الآثام.

فهذا أبو نواس قيل له مرة: هل تريد الحج؟ فأجاب: نعم إذا فنيت لذات بغداد. . وأني له ذلك وهو في بغداد التي جمعت الظرف والجمال والمتعة والثراء. . . وهب أن بغداد ضاقت به فلم يطق الحياة فيها حتى دفعت به إلى الحج فكيف يتخلص من قطربل وكلواذي، وهؤلاء شذاذ بغداد ملء السمع والبصر. . . وفيهم يقول:

وقائل هل تريد الحج قلت له: ... نعم، إذا فنيت لذات بغداذ

أما وقطربل مني بحيث أرى، ... فقنّة الفرك من أكناف كلواذ

فالصالحية فالكرخ التي جمعت ... شذاذ بغداد ما هم لي بشذاذ

ومن ظريف ما هجيت به بغداد قول بعضهم:

اخلع ببغداد العذارا ... ودع التنسك والوقارا

ولقد بليت بعصبة ... ما أن يرون العار عارا

لا مسلمين ولا يهو ... د ولا مجوس ولا نصارى

فكيف يترك أبو نواس هذه الحياة المرحة ويذهب إلى الحج؟. . ولكن الرشيد لما خرج يريد الحج شاء أن يكون في ركابه شاعرنا الظريف أبو نواس، فاصطحبه معه، وفي مكة نظم أرجوزته المشهورة، وهي أروع ما قيل في الزهد أولها:

إلهنا ما أعد لك ... مليك كل من ملك

فلما عاد أبو نواس إلى بغداد أشيع أنه تنسك بعد حجه، وعكف يكفر عن ذنوبه، وهذا خبر ظريف، وكيف يكون ذلك وهو في بغداد بين عصابته من أحلاس الكأس وفرسان الخمر، ثم هذه كلواذي وطيزناباذ، وتلك قرى بنا قد توزع قلبه بين حاباتها وظبائها، فكيف يزهد ويرعوي؟ ويترك هذه الحياة الضاحكة المصفقة؟ لذلك راح يكذب هذا الخبر - خبر النسك بأبيات ظريفة منها:

<<  <  ج:
ص:  >  >>