عنها رداء القدم والعجز؛ وأن يبين لها الوسائل التي تمكنها في الاندماج في الحياة العملية، والمساهمة بنصيب وافر في تقدم العلم وترقية العمل. وكان طاغور في ذلك كله حريصاً كل الحرص على المحافظة على الطابع الهندي، فإن بدت كتاباته كأنها تحث الهنود على كشف القوانين العلمية، والابتكار في ميدان العمل، ومحاكاة الغرب في مختلف نشاطه الحضاري، إلا أنه عمد أن لا تكون بواعث الهندي أو غاياته في بحثه في العلوم وتجديده في العمل هي عين بواعث الغربي وغاياته، كما حرص على أن تستمد هذه البواعث وتلك الغايات من صلب الحكمة الهندية عامة، ومن أصول الدين الهندوسي خاصة.
ولكي نفهم كيف استعان بالكتب المقدسة في تشكيل دوافع طلب العلم، وأهداف أداء العمل المستمر المتجدد حسب المزاج الهندي الخالص، يحسن بنا أن نعرج أولا إلى نظرات الدين الهندوسي - كما فهمه طاغور - إلى النفس الإنسانية التي تكشف المعرفة وتعي العلم، وإلى الإرادة البشرية التي تنجز الأعمال الدينوية ويتنكر فيها.
أولا: أما عن النفس فيقول طاغور إن الدين الهندوسي يؤكد لنا أن الكون وحدة شاملة، تضم كل ما يوجد فيه من جماد ونبات وحيوان وإنسان، ويتجلى الله فيها جميعاً. وأن النفس الإنسانية جزء من أجزاء الكون المتعددة المتنوعة التي يتجلى فيها الله، إلا أن لها استقلالها الخاص، ووجودها المنفرد، وكيانها القائم بذاته بالرغم من اتحاد أجزاء الكون الشامل، وتجاذبها الشديد. إذ أن استقلال النفس له قيمته، فعن طريقة يمكن للنفس أن تحقق وحدتها بالكون في صورة أروع وأقوى مما لو كانت راقدة فيه غير شاعرة باستقلالها، فضلا عن أن هذا الاستقلال لا يفصلها تماماً عما في الوجود، ولا يقطع صلتها بالحقيقة الكامنة في جميع نواحي الكون، وفي أعمق أغوار النفس. فهي مرتبطة بالله وكيانها قائم به، بل إن كمالها لا يتحقق ما لم تشعر بحضوره في دخيلتها، ولا تفز بحريتها الروحية إلا إذا خضعت لإرادته، ولا تحس بالغبطة إلا إذا اندمجت فيه وأمحت فرديتها في لا نهايته.
وأما إذا شعرت النفس بنوع من الانفصال المطلق عن الكون المتحد الذي يكمن الله في جميع أشيائه، فإن مرجع ذلك إلى حبس حياتها في حدود فرديتها، وإلى خداعها بالمظهر الكاذب وإلى استسلامها لإغراء الوهم الباطل الذي يوحي إليها بأنها غاية ذاتها، ويشغلها عن أي حقيقة أخرى تتعدى هذه الذات، ويوقفها تحت تأثير شهوات الإنسانية والكبرياء