وهو ذلك التنافس المرذول بين الكتلتين الشرقية والغربية على مصير العالم التعيس. إن نصوص الميثاق لا تفسر أو تطبق حسب مقتضى المنطق والعقل ولكن تجتهد كل كتلة في أن تفسرها بما يتفق مع مصالحها وينزل بالطرف الآخر أشد الإضرار، ويعلم الدارسون للقانون أن العلاقات الدولية مازالت في دور الطفولة وكان الواجب أن نبعد النصوص الخطرة من تنظيم هذه العلاقات كما نبعد الألعاب الخطرة عن متناول أطفالنا.
لقد قلنا إن حق الاعتراض ميزة تعتز بها الدول الكبرى وتحرص عليها أشد الحرص لأنه بمثابة سلاح في يدها تمزق به الدول الصغرى كلما احتاجت إلى طعام جديد، فالولايات المتحدة تريد إبقاءه مع تقييده وتحديده بالحدود التي ذكرناها، وروسيا السوفيتية تجاهد في إبقاء النص كما هو دون تغيير أو تعديل، وبريطانيا - كما جاء على لسان رئيس وفدها في الجمعية العامة - لن تقترح إلغاء حق الفيتو ولكنها تشعر فقط بأن هذا الحق قد أسيء استعماله، وليس علاج ذلك تغيير ميثاق هيئة الأمم المتحدة ولكن معرفة ما إذا كان العالم يؤيد بريطانيا في اعتقادها بأن حق الفيتو قد أسيء استعماله أم لا؟!
وبهذه المناسبة نقول إن اقتراح مارشال يقوم بذاته دليلا على أن بناء ميثاق هيئة الأمم لم يقم على دعائم ثابتة، وأن مجرد الحديث عن تغيير الميثاق أو تعديله مدعاة لأن توزن الثقة به من جديد.
إننا لا نريد بقاء هذا السلاح في يد خمس دول لترهب به بقية دول العالم بل إن مصير الإنسانية أجل من أن تتحكم فيه شرذمة تناسق وراء أهوائها وشهواتها. والرأي الصائب أن تتمسك الدول بمبدأ المساواة في السيادة، وحكم الأغلبية في تنفيذ القرارات، وألا تدع لأية قوة سبيلا عليها سوى سلطان القانون والعدالة.
وأكرر في الختام أن هناك بعض المآخذ الأخرى على هيئة الأمم ويمكن جمعها تحت عنوان (بوليس الأمن الدولي) فإلى اللقاء.