أحدث من عصر كثير من أصحاب المعلقات فلا يصح أن يكون هو الذي كان يعلق قصائدهم بخزانته بعد إنشادهم لها بسوق عكاظ واستحسانه إنشادها، وهذا ولا ريب سبيل ملتو، وتحكم في النقد غير محمود، وتحريف للكلم عن مواضعه، وتخصيص للعام بدون مخصص.
ويتوارد العلامة نولدكه والأستاذ الصعيدي في نقد عبارة النحاس عند هذه النقطة، أما الأستاذ الصعيدي فقد ذهب إلى ما رأينا من التحكم والبناء على الفرض، وأما نولدكه فيقول إن من الصعب احتمال أن ملكاً عربياً كان يشهد سوق عكاظ. ويؤلمنا والله أن يكون هذا العلامة الأعجمي أكثر توفيقاً، وأهدى إلى الجادة في فهم الكلام وتخريج النصوص.
ثم ينتقل الأستاذ إلى وجه آخر من وجوه النقد، فيقول إن سوق عكاظ التي أجمعوا على أن تلك القصائد كانت تلقى فيها أحدث بكثير من عهد أصحاب المعلقات، لأنها أقيمت بعد عام الفيل بخمس عشرة سنة، ولوددنا والله دلنا الأستاذ على مصدر هذا القول، فلسنا نذكر أن ياقوتاً تعرض في معجمه إلى تاريخ إنشائها، والذي نحسبه أن عهد هذه السوق أقدم مما ذكر الأستاذ، ففي سيرة ابن هشام أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، شهد حرب الفجار وعمره أربع عشرة سنة، ويذكرون في سببها أن قريشاً حين بلغها مقتل عروة الرحال، كانت في عكاظ، وفيها قامت الحرب، وسميت باسمها، وقال ابن الزبعري في مدح العنابس:
وفي يوم عكاظ منعوا الناس من الظلم.
بل إنهم ليذكرون فجاراً آخر قامت وعمر الرسول صلوات الله عليه عشرة أعوام، ويذكرون في سببها أن أحد الغفاريين كان له مجلس في سوق عكاظ يفتخر فيه، ويزعم أنه أعز العرب فوثب عليه رجل فضربه بالسيف على ركبته.
وأوضح من هذا في الدلالة على قيام هذه السوق قبل التاريخ الذي حدده له الأستاذ ما جاء في أخبار عبد شمس بن عبد مناف أن زوجته عبلة بنت عبيد كانت قبله تحت رجل من بني جشم ابن بكر فبعثها بأنحاء سمن تبيعها له بعكاظ، فباعت السمن وراحلتين كان عليهما وشربت بثمنها الخمر. . الخ القصة، وهي مذكورة في الجزء الأول من الأغاني في أخبار عمر بن أبي ربيعة، وهي تدلنا دلالة قاطعة على قيام سوق عكاظ في عهد عبد شمس،