وكان رفيقه - الذي قعد مواجهاً له - رجلاً طاعناً في السن!. حليق الذقن. . . تلوح عليه دلائل الثراء والعيش الرغد. ويخيل إلى المرء أنه من أبناء (فينلندا) أو (السويد). . . لم يبرح طيلة السفرة. . . يدخن (غليونه)، وينفث هباءه في الهواء!. . . وكان ثرثاراً مهذاراً، نهماً إلى الحديث، شرهاً إلى الكلام. . . لا يفتأ يلفظ بهذره حول معنى واحد. . . دون تنويع ولا تبديل!. . .
- (ها!. إنك ضابط!. كذلك لي أخ ضابط؛ بيد أنه نوبي يجوب البحار!. . ألا خبرني ما الداعي لذهابك إلى (موسكو)؟!.)
- (إن لي مقاماً هنالك!!.)
- (ها!! أما تزوجت بعد؟!)
- (كلا. . . إني أعيش مع خالتي وأختي!.)
(إن أخي ضابط كذلك، غير أنه متزوج. . . وقد أنجبت له امرأته ثلاثة أطفال. . . ها!!.)
وكان الرجل الفنلندي ينظر - خلال ذلك - في بلاهة وغرابة. . . وتترسم على شفتيه ابتسامة تعبر عما يختلج في نفسه من جزل ومرح، حينما يهتف:(ها!!.)
أما كليموف - وكان يشعر بدوار وصداع في رأسه، ويحس بفتور ودعث في جسده - فقد برم بالجواب على أسئلته. . . وراح يحمل عليه في قلبه إصراً وبغضاً!. . . وتراود نفسه رغبة جامحة في أن يختطف غليونه. . . ويلقي به تحت المقعد، ويأمر (الفنلندي) نفسه بالبحث عن عربة أخرى.!
وقال يحدث نفسه - وقد ضاق به ذرعاً (ما أفظع أولئك (الفنلندين) وأبغضهم إلى النفس!. إنهم أوغاد مذقو الخلق، أولو خسة وذوو سفه. . . لا يأتون إلا كل تافه غير محمود من الأفعال. . . وما خلقوا إلا ليعوقوا العالم فحسب!. فما أدري مكرمة ذاعت لهم، ولا حسنة أثرت عنهم!.).
وزاد إحساس الضباط الشاب بما يكتنفه من وعك وكآبة وألم!. فعلا وجهه شحوب وامتقاع. . . وسرى الجفاف والظمأ إلى حلقه فلذغه لذعاً شديداً، وضاقت رأسه - وقد ثقلت تحت وطأة الصداع - بما يضطرب فيها من أفكار سوداء تجول بخاطر معربدة صاخبة على غير هدى. . . ثم لا تلبث أن تفيض على ما حوله من مقاعد وأناس يلوحون في حلكة