للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تتراءى ماثلة للعيان، وسر الحياة عنده لغز حار فيه الفلاسفة والمصلحون، والرؤى والأشباح ومعالم الحياة والفكر تتراءى أمام ناظريه في كل عين.

والناس فرحون مستبشرون إلا قليلا وتزدحم أمام صاحبنا الأفكار ويستعرض تاريخ العالم وقصة الإنسان، فهذا عبقري أعجبت به الإنسانية وأحبه طلابه المخلصون، وهذا شاعر غنى على قيثارته فأودع الحياة أناشيدها العلوية الرفيعة فتغنت بها الأجيال، وهذا فنان سكب روحه فجاءت صورة أو تمثالا ينبئ عن قصة الإيمان بالفن والجمال والجلال، وهكذا تزدحم الرؤى والأشباح وصاحبنا لا يكاد ينام. . . والظلام يمعن في قسوته وجبروته، والإنسانية قد أسلمت أنفسها لسلطان الكرى، وصاحبنا ينصت إلى نداء الظلام والناس من حوله غافون نيام. . .

يغمض الفتى عينيه لينام ويدثر نفسه علها تجد الراحة من فرط عالمها الخارجي الذي اضطربت فيه طول النهار ولكن الأشباح ما فتئت تتراءى أمام ناظريه فيحدق في الظلام من جديد ويفكر في حقائق الأدب وروعة الفكر وجلال الأداء؛ وساعات الليل تكاد تتعثر عرجاء، مثقلة الخطى غير ناظرة إلا إلى المحبين، والظلام من حوله يلف الكون في صمت عميق والإنسانية بين أحضان الكرى؛ والأشباح تتراءى أمام ناظريه من جديد، فينظر - في سر وإيمان - إلى أرباب العلم وأساطين الفن ويقدر الجهد المبذول، ويكبر معالم التضحية والصبر والإيمان، والناس من حوله هادئون نيام، والوجود يلقى نظرة صادقة على صعود الحياة وأحلامها الوادعة، وعمود الفجر يكاد أن ينشق ليسفر الصبح عن نبأ جديد!؟

أخذ الطفل الكبير ينظر إلى الأم التي جاءت لتستقبله كما يستقبل الفرد صباحه الجديد، وتلهف القلب لرؤيته حتى بدا جلال الكون متمثلا في روعته البهية، وأخذت تنشد موسيقى الحنان الأبدي التي تدخرها كل أم لطفلها الحبيب قائلة في صوت خفيض: الأمهات من حولي ينعمن بأطفالهن والقلوب عامرة برؤية الأطفال عند كل صباح، وأنا وحدي أتلفت إليهن، فرحة بك، ذاكرة لك، ولكنك لست بجانبي. . . والعصافير تغرد فوق الأغصان، والطيور تشقشق فرحة بربيع الحياة الندى، والطبيعة توحي بالروعة والجلال، وعند طرفي المدينة ألمح شآبيب النور الحي، ولكنك عني بعيد!؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>