وهى لا تفتأ تضحك وتداعب رفيقتها ولا تزيد بهيجة على أن تبتسم ابتسامة طفيفة لا تلبث أن تنطفئ. . .
وحيرني هذا الهم في وجه بهيجة، فعلى فمها الرقيق وفي عينيها الواسعتين الزرقاوين الطويلتي الهدب، خيال الألم والحزن الدفين، وفي خديها شئ من الشحوب لولا تلك الحمرة الشديدة التي تمتاز بها صفحة هذا الوجه. . .
وقالت فاطمة - وهذا اسم صاحبتها كما تبينت - تحدث بهيجة وهى فوق الحجر يغطى الماء ما فوق خلخالها قليلا: أأدفعك يا بهيجة في الماء فتغرقين وتلتهمك الجنية؟ وقالت بهيجة ليتني أغرق فلن ينجيني إلا الموت!
وعجبت مما أسمع وازددت تطلعاً إلى معرفة ما يحزنها فما أشد ما يؤلم النفس مرأى الجمال الحزين، وأنصت إلى فاطمة وقد ألقى في روعي أنها سوف تكشف هذا السر. . .
وقالت فاطمة، وقد خرجت صاحبتها من الماء بعد أن ملأت الجرتين وجلست مستندة إلى جذع شجرة: فيم هذا الهم يا أختاه وغداً ليلة الحناء؟ وحاولت بهيجة أن تبتسم، فما افتر ثغرها الجميل حتى انطبق، وامتلأت مقلتاها الساحرتان بالدمع، وتسايل الدمع فجرى فوق خديها، ثم دفنت وجهها في كفيها وأجهشت إجهاشة كادت تطلق الدمع من عيني. . . . وما أيسر ما ينطلق دمعي فلا أمسكه إلا بجهد. . .
وأمسكت فاطمة من الضحك وراحت تهدئ صاحبتها وتقولك لعل الخير فيما تكرهين، وما عيب حسن وهو ابن الجمل والناقة، في بيته الخير وزوجات اخوته من أحسن البيوت وإن لم يكن جميلات، وسوف تكونين أنت زينة الدار. . . وبأي شيء يمتاز إبراهيم عنه؟ وكيف تقوى الواحدة منا على مخالفة أبيها؟ رأي أبوك أن يزوجك من حسن فهل تعصينه؟ وما جدوى البكاء وقد صرت في عصمته؟
وأثار كلام فاطمة حزنها كله فاسترسلت في بكائها وصحب هذا البكاء أنين متقطع، كأنما كان ما ألقى في سمعها من كلام طعنات خنجر شاعت في جسمها ففي كل موضع منه طعنة. . . ونظرت في وجه فاطمة تحسب أنها من أعدائها، ورأيت في وجهها كأنها تريد أن تري فاطمة ما تعتزم عليه من عصيان. . .
ولمحتني فاطمة من خلال الصفصاف فغمزت صاحبتها وهمست في أذنها؛ ومسحت بهيجة