عينيها بذيل ثوبها الأبيض الذي سحبته من تحت ردائها الخارجي الأسود، وأصلحت الفتاتان جرتيهما ووضعتاهما على رأسيهما، ومر رجل فأعانهما على حمل جرتيهما وانطلقتا صوب القرية. . . .
ولاحظت على بهيجة أنها لا تكاد تقوى على حمل جرتها، فكانت خطواتها أثقل من خطوات صاحبتها، وكان عودها اللدن يتثنى من إعياء لا من عجب تحت جرتها الثقيلة، وما زلت أتبعها بنظراتي حتى غيبتها عني في منعطف عيدان الذرة. . .
وبقيت ساعة يكرب نفسي ما يخزن بهيجة، كما تكدر خاطري طيوف منكرة سوداء من السم والحريق والقتل وإتلاف الزرع من جرائم الريف يمثلها لي هذا السبب الذي سمعته بأذني؛ وطاف برأسي الطلاق والنفقة والهجر والخصام وبيت الطاعة والمعارك بين الأسر، بل ما روعني من صور الخيانة والفجور وغيرها من أفعال الظلام، وما تجره في أعقابها من شر وانتقام. كل أولئك مثلته لي ثورة بهيجة. . .
الخفيف
فلسفة طاغور في العلم والعمل
للأديب عبد العزيز محمد الزكي
(تتمة ما نشر في العدد الماضي)
ويفسر طاغور انفصال إرادة الإنسان عن إرادة الله انفصالاً ظاهرياً غير مطلق، بأن الله قد منح الإنسان بدافع من حبه له حرية التصرف في شئون العالم، كما يمنح الأب لابنه مقداراً من المال، ويترك له حرية التدبر في حدوده؛ فهذا المال ما زال ملكا للأب وإن وهبه لإبنه، وأخرجه من نطاق إرادته. وكذلك المال بالنسبة للإنسان، فإن حرية إرادته دائماً ملكا لله، وأنه أغدق بها عليه، وأخرجها من نطاق إرادته، وترك له حرية العمل في حدودها، وفي مجال الشئون العالمية.
فالإرادة عند طاغور حرة من جهة، ومقيدة من جهة أخرى فهي أولا حرة من حيث أن الله وهبها السيادة على الأمور المتصلة بعالمنا الصغير؛ حتى يمكن أن تخضع لقانون إرادته الكبير طائعة مختارة، وبدون فيض أو إلزام؛ وحتى تتحد باللانهاية، وتتفق حريتها الكاملة