للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إللامحدودة، التي لاتتم إلا بتوافق اتحاد إرداتين حرتين. وهي ثانياً مقيدة من حيث أن الله جعلها محدودة، وخاضعة لقانونه، إذ لو منح الإنسان إرادة غير مقيدة بقانونه، وتعمل بدون حدود، لفقدت قدرته كل معنى لها، ولتعذر عليها أن ترتقي وتكمل، لأن القوة لا تنمو وتتطور وترتقي وتكمل، إلا إذا كانت تعمل في حدود؛ أي أن الإرادة التي تعمل في حدود، يمكنها أن تتقدم في الرقي إلى أن تكمل، بأن تخضع لإرادة الله إللامتناهية، وتندمج فيها، وتصبح هي وإرادة الله إرادة واحدة تملك حرية مطلقة غير محدودة.

أما عن الإرادة التي تتخدع بحريتها المحدودة، وتتدفع في تيار الانفصال، وتتمرد على إرادة اللانهاية، بدافع من الأنانية والغرور والكبرياء وحب السيطرة والعناد والجشع وحب التدمير، وبدافع من جهل حقيقة وحدة الكون الكامنة في الطبيعة الإنسانية؛ فإنها ستعيش أبداً في حدودها الملوثة بالشهوات، وستظل أسيرة المظهر وسجينة الباطل، فتقع في الخطايا، وترتكب الآثام والذنوب، وتجلب على نفسها العار والمذلة، وتضطر في النهاية إلى أن تتراجع شيئاً فشيئاً عن مسلكها الخاطئ، وترجع إلى منبعها اللانهائي الذي فصلت منه بإرادة الله، وتخضع إرادتها الفردية للإرادة الكبرى، بأن تظهر طبيعتها الكامنة في النفس الإنسانية، وتشعر أن الوجود كله وحدة كاملة، وتدرك أن وجودها الفردي في اتحاد تام مع هذا الوجود الشامل، وبذلك تحقق حريتها الكاملة، مثلها في هذا مثل البرعم، فإن كانت حرية البرعم لا تخفق إلا بظهور الزهرة الكامنة فيها، فإن كمال حرية الإرادة لا ينال إلا بمعرفة الحقيقة الكائنة في أعمق أعماق النفس، وإدراك اتحادها بالجوهر الثابت الذي يشتمل سائر الأشياء. وذلك لا يكون إلا بخضوع إرادة الإنسان لسلطان إرادة الله اللامتناهية عن طريق العمل الدائم المتجدد في مختلف نواحي نشاط الإنسان، وعن طريق فعل الخير وأفكار الذات، وعن طريق ملاشاة فرديتنا الإنسانية في الله، والإيمان العميق بحقيقة وحدة الوجود الشاملة. . .

وقد يرى لي بعض الهنود أن اعتزال الحياة، وتجنب المجتمعات واحتقار الأعمال الدينوية، وهجرة الأهل، والتجول في الغابات وسكن الكهوف والمغارات من خير السبل لتحقيق حرية الإرادة الكاملة، وتخليص الروح من العوائق المادية التي تحول دون انطلاقها في اللانهاية غير مقيدة بأي قيد. غير أن طاغور ينكر على هؤلاء الهنود أنه يمكنهم بهذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>