للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السلوك، أن يفوزوا بحريتهم الكاملة في الحياة، لأن النفس مهما كانت طهارتها لا تستطيع أن تعيش حرة على احساسات ومشاعر وأفكار محبوسة في داخلها لا تشغل بموضوعات خارجية؟ وأن الإرادة مهما بلغ تحررها من الشهوات والرغبات، ونالت من حرية روحية؛ بأنها لا تحقق حريتها الكاملة في الحياة ما دامت هذه الإرادة تنفر من العمل، ولا تقبل أ، تؤدي أية مهمة في العالم الإنساني، غير أن تقطع علاقاتها بكل ما في الأرض، ناشدة بذلك تحقيق إدراك وحدة الوجود الشاملة الكامنة في قرار الطبيعة الإنسانية.

وقد يتمادى بعض القوم، ويظنون أن الخوض في الحياة يسبب للإنسان آلام متنوعة ومتاعب جمة، تقلق النفس، وتدب فيها الخوف، وتملؤها بالخزن كما يزعمون أن الموت نهاية الحياة فيكفي أن تقوم بأعمال تسد رمقنا، ونبعد عنا قساوة الجوع والعطش؛ إذ ما فائدة عمل متواصل يتحدد في حياة يهددنا فيها الموت في كل لحظة! وطاغور لا يغفل ما في الحياة من آلام قاسية، ومتاعب مضنية، قد تكشف عن خيبة الإنسان في عمله وتبين له نقصه في المعرفة، وتشعره بضعف في إرادته؛ إلا أنه يقرر إنه إذا نظر إلى أعمالنا الفردية من ناحية محدودة، يكون وقع الآلام قاسي على النفس، أما إذا نظرنا إليها من ناحية أعم وأوسع، فشمل ما يقصد بها من تحقيق المثل الأعلى لكمال الحياة تشعر بالسرور، وتذهب وطأة هذه الآلام عنا حين نعرف أن أعمالنا ترمى إلى غاية سامية يهون في سبيلها المتاعب. كما يمكن أن نتجنب الفشل في العمل بالمصابرة في التدريب عليه حتى تتقن أدائه؛ وأن نصلح ما نقع فيه من أخطاء بإكمال نقصنا في المعرفة، وبالتزود بنور العلم؛ وأن تقوى ما في إرادتنا من ضعف بمحاربة الباطل والشر في داخل نفوسنا وخارجها. وذلك كله يعمل على تقدم الحياة الإنسانية ورقيها. وقدرة الحياة على التقدم لدليل قاطع على كذب حس قوم يمعنون في التشاؤم، ويعتقدون أن الحياة شر في شر، وأن المؤمن فيها لا يجلب إلا الآلام والمتاعب. ولذلك يرى طاغور أن التشاؤم ليس إلا مجرد مظهر عاطفي أو عقلي ينبذ ما في الحياة من سرور وقدرة على التقدم، فيحدث قوى من الحزن المصطنع الذي يظمئ بدوره النفس إلى الاستزادة من التشاؤم، ويبعث فيها اليأس والقنوط، فتوقع الفشل في كل عمل وتتوهم الموت في المخيف المرعب في كل خطوة، فلا ترى في الحياة إلا آلام وموت بينما يمكن التغلب على أسباب الآلام كما سبق أن ذكرت. أما الموت فما هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>