للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلا حقيقة سلبية، وليس حقيقة أخيرة في الوجود، وإنما الحقيقة اللانهائية فهي وحدة الكون الشاملة، وما هو كذلك إلا حدث من أحداث الحياة التي يعد الموت جزءاً منها، ولا يعبر عن حقيقتها إنما يعبر عن حقيقته فقط فلا يجب أن يفزعنا كل هذا الفزع ونقصر في العمل، ونهمل التجديد فيه ونقنع فيه بذلك العمل الذي تقرره لنا الطبيعة كما تعمل الحيوانات من أجل الطعام والشراب.

ليس هناك إذاً باعث جدي يمنع الإنسان عن العمل، فإن الفشل سبيل إلى النجاح، والألم وجه من أوجه السرور، والنقص هو الذي يدفعنا إلى الكمال، ويجعلنا عظماء في الحياة. فلا يجب أن يفزعنا الألم والحزن، ونتجنب العمل المتعب، فإن حرية الروح في تحمل المتاعب. وعلى الذين ينشدون تحرير أرواحهم، ويريدون الحياة في اللانهاية، أن يزاولوا أعمالا مستمرة جدية ومجدية، وأن يخلقوا ميادين متعددة للعمل، ويجتهدوا في ترقيتها وتوسيع نطاقها، وألا يقنعوا بالأعمال البدائية التي تقررها لهم الطبيعة. فإن الاستمرار في العمل يحرر قوى الإنسان، وعينها القدرة على التجديد فيه. فإن الرجل الذي يحول غابة موبوءة إلى حديقة جميلة، قد حرر قواه واستطاع أن يعطى هذه الحديقة جمالا يعبر عن جمال روحه؛ أما إذا تعذر عليه أن يعطيها هذا الجمال، فقد فشل في تحرير روحه من الداخل، وخاب في التعبير عنها بالعمل، وعليه أن يستمر في مزاولة عمله والتدرب عليه حتى يحرر قواه فيتمكن من أن يظهر طبيعته في مختلف نواحي النشاط الإنساني. إلا أن هذا الإظهار لا يتم ما لم يتحرر العمل نفسه من ضغط الحاجة من ناحية، وما لم يتميز كوسيلة يقصد بها وجه الله، وما لم يرفض النظر إليه كفاية في ذاته، وينتظر من ورائها نفع قروي نحسب من ناحية أخرى. لأن الحرية الصحيحة لا تكتسب فقط بالعمل بل يشرط في اكتسابها حرية الإنسان في عمله ولا يساق إليه بحكم ظرف عارض مثل الفرق أو الجوع، فإنه حين ذاك يعمل وفق المصادفة والاتفاق، ويصير عمله نوعاً من التدبير الوقتي المصطنع الذي لا بد أن يتركه بعد أن يزول أو يتغير هذا الظرف العارض. فوق أن ضغط الضرورة يعوق النفس عن إظهار حقيقة طبيعتها في العمل. ولذلك لا يجب أن يكون باعثنا على العمل الفرق أو الجوع، وليكن دائماً دافعنا إليه حب الخير وتأديتنا له لوجه الله. فإن الذي يهب حياته لتحقيق فكرة سامية يقصد بها خدمة الوطن أو خير الإنسانية، لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>