إشراف. والنتيجة المنطقية التي لا مناص منها أن نشاطنا الثقافي يخضع حتما للإجراءات الحكومية بقدر ما تسمح به (الميزانية) و (اللوائح) حتى لقد أصبح من الأمور العادية التي نسمعها بغير دهشة أن كتاباً (كالأغاني) مثلا لا تزال بقية من أجزائه (تحت الطبع) بالدار منذ سنوات طويلة. . وكتاباً مثل (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) لا يزال دون طبع إطلاقاً فيما عدا جزءاً واحداً منه. . . وكم من كتب قيمة لم تطبع بعد أو لم تجلد بعد أو لم تصحح بعد وهكذا!.
يمكن أن يقال إذن أن معظم الفرق بيننا وبينهم بهذا الصدد لا يمت إلى اختلاف عدد السكان أو الثروة العامة أو نحو ذلك بصلة كبيرة. وإلا فإنه من غير المعقول أن تقارن - من هذه النواحي - بين عاصمة عظيمة كالقاهرة وبلدة صغيرة جداً مثل (دنفر) فهذه بلدة لا يكاد يدرى بها أحد إذ لا يزيد تعدادها الآن عن ١٥٨٠٠٠ نسمة وليس لها ميزة معينة ولا شهرة خاصة ورغم هذا فقد استطاعت مكتبتها - حسب ما جاء بالتقرير الذي أسلفت الإشارة إليه - في فترة قدرها حوالي ٤٠ سنة بعد إنشائها أن تمحو الأمية والجهالة من البلدة وضواحيها محواً تاماً ولا تزال عاملة إلى الآن على نشر المزيد من الثقافة والمعرفة بمنتهى الجد والنشاط. ويكفي شاهداً على مقدار تقدمها أن كل ثروتها عند افتتاحها عام ١٨٤٢ كانت ٣٥ مجلداً فبلغت اليوم ٥٠٠ , ٠٠٠ مجلد تقريباً أي ما يعادل ثلاثة أمثال عدد المواطنين جميعاً. وليست العبرة بكثرة ما في المكتبات من مجلدات وإنما بمقدار تداولها والاستفادة منها طبعاً. . ولهذا نجد أن أهم الأقسام في هذه المكتبة وأضخمها جهداً هو قسم التوزيع كما نجد أن أبرع أعماله هو توصيل الكتب بواسطة سيارات معدة لهذا الغرض إلى القاطنين في الضواحي أو القرى المجاورة وإلى الفلاحين في مزارعهم وإلى العمال في مصانعهم وإلى المرضى في المستشفيات. . . الخ. وعلى ذلك يندر - كما يؤيد التقرير - أن تدخل منزلا هناك دون أن تجد في أوقات الفراغ رب البيت يقرأ ما يزيده خبرة أو متعة. . وربة البيت تقلب بين يديها (كتالوجات) عن فنون الطهي وألوان الطعام. . والأطفال يستمتعون بكتب مزدانة بصور هزلية طريفة ترمز إلى معان مختلفة. . والخدم يطالعون قصصاً وإرشادات صحية. ونحو ذلك.
ومن طريف ما يذكر عن هذه المكتبة أن أغلب وظائفها - كمعظم المكتبات الأمريكية -